يوميات سورية 54

23 أبريل 2022
23 أبريل 2022

ـ 1 ـ

بمناسبة الحروب التي لانهاية لها...هذه الحكاية:

في الساحة الحمراء في موسكو، كل عام بيوم النصر على النازيين، يجتمع على هامش العرض العسكري الباذخ، جنود وضباط من بقايا الحرب.

مذ توقفت الحرب... ثمة جندي يقف منفردا ويرفع لافتة كتب عليها... «أنا الجندي إيفان من الكتيبة 101 قلعة بريست، أرجو ممن تبقوا أحياء من الزملاء أن يأتوا لنلتقي».

كل عام يأتي إيفان، وينصرف دون أن يلتقي بأحد.

الاحتمال الأكبر، وربما الوحيد أن الزملاء قد قتلوا جميعا، ماعدا إيفان. بمرور السنوات أصبح شيخا ضئيلا متهدل الكتفين، كأنما يقضمه الزمن.

في العيد الثلاثين كانت الساحة الحمراء خالية من إيفان إيفانوفيتش، ابن الكتيبة 101...التحق برفاقه.

ـ 2 ـ

يصلح هذان البيتان مدخلا لهذه الحكاية:

ولقد مررت على ديارهم وطلولها بيد البلى نهب

وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب

زارني صديق في تونس. وكان متشوقا لدمشق، أسطورة حكايات في المغرب، فرتبت له زيارة للمعالم المهم في المدينة القديمة: السور، والأبواب السبعة: باب شرقي، باب توما، سوق الحميدية، سوق الحرف اليدوية، المكتبة الظاهرية، ضريح صلاح الدين الأيوبي. وعندما وصلنا إلى تلك البقعة من الآثار... بدأت في الخيال أصوات حوافر الزمن ترن: الأمويون والسلاجقة والأتراك والتتار والصليبيون. كان صديقي مشغولا في تصوير الأزمنة، فيما كنت أفكر بإدهاشه بواحد من الآثار العظيمة المقدسة. وهكذا مشينا باتجاه أحد الأحياء القديمة. وفوجئت بأنها صارت نوعا من الأطلال المتهدمة. بحثت عن بيت محدد فوجدته متداع وسط خراب شامل. وكان الحي بأكمله لوحة لفن الحطام.

وقفنا أمام هذا البيت. ما زالت مطرقة الباب نفسها منذ نصف قرن. قلت لصديقي: اقرع هذا الباب. استغرب طلبي ولكنه دق دقة خفيفة، ثم بصوت أعلى. دقات باليد، دقات بالقلب. فتحت الباب صبيىة باسمة، قالت: من أنت؟ قلت: أنا قيس. قالت من تريد؟ قلت: ليلى.

أغلقت الباب. ولكن رائحة ياسمين تلك الأيام... فاحت.

صديقي فهم الحكاية. ففتح يديه أمام وجهه، وبصوت خافت خاشع، قرأ الفاتحة كأنما أمام ضريح جليل.

كان بيت أول فتاة أحببتها.

ـ 3 ـ

«تموز» أو «أدونيس» ذهب إلى الصيد في منطقة جبيل ـ لبنان.

وهناك هاجمه خنزير بري فجرحه جرحا بليغا. جاءت الربة عشتروت (أفروديت عند اليونانيين) تسكب العطر على جرح أدونيس الذي ظل يسيل حتى اصطبغ ماء النهر، وانتشرت في الأرض من دمه شقائق النعمان.

«إنانا» أحد أسماء عشتروت (حبيبة أدونيس) وتعني «إنانا» باللغة الكنعانية في بلاد ما بين النهرين «النائحة».

هذه الأسطورة موجودة في بلاد عديدة، ومثلها مثل غيرها، هي نوع من تسلية شعوب تهدهد في سريرها الموت لكي يبدو الميت كالنائم.

هذه الأسطورة الجميلة تحاول إسرائيل أن تسطو عليها. ليس بادعاء أسطورة ليست لها، فهذا أمر متاح في الحفريات وعلوم الأساطير. ولكن أن تقرر زهرة الشقائق «زهرة وطنية لها»... فهو نوع من العدوان المستهتر والاستحواذ على قصص تاريخ ليس لها.

ـ 4 ـ

من دفتر قديم:

1 ـ أحد ملاجئ النازحين... الموسيقى.

2 ـ لا تمتحن خنزيرا بأن تطلب منه العزف على البيانو.