يوميات سورية 47
-1-
«أعطني جريدة أصنع لك رأياً عاماً.
أعطني رأياً عاماً أصنع لك ثورة».
هذا كلام منسوب إلى أحد رؤساء تحرير جريدة البرافدا السوفيتية. وما أظنه تحول إلى قاعدة بعد الثورة الروسية 1917، وها هي المعركة التي بدأت في أوكرانيا، وتقودها روسيا بهداية، ليس "البرافدا"، وإنما بأضخم ترسانة عسكرية في عصرنا.
يكاد المرء، لفرط اشمئزازه من الحروب، التي لا تنتهي حتى تبدأ، من جديد، وفي مكان وشعوب جديدين، فيقول مردداً هذه الجملة: "من العار أن تكسب حرباً"
وأتذكر البراميل المليئة بالحبر الأسود لكي تصاغ به أفكار بيضاء، فلا أجد غير صناعة أدوات وأفكار التضليل الإعلامي، التي تأخذ منا، نحن جماعة الرأي العام، أسلحتنا المزعومة، والتي وصفها نابليون بهذه الجملة: "أنا لا أخشى ألف مدفع كما أخشى قلم صحفي". وكما حذّر أيضاً الرئيس الأمريكي السابق، بيل كلينتون: "فلتحذروا الاشتباك مع هؤلاء الذين يملكون الحبر بالبراميل".
الحرب في أوكرانيا، آلاف الأميال تفصلها عن هذه "الأم الحزينة... سورية"، ولكنها أوصلت أولى رسائلها: غلاء القمح، والأرز والذرة، وطبعاً... ليس من وظائف الحرب الإشفاق على جيوب السوريين، فتخيّرهم بين القمح الأوكراني، بأسعاره الجديدة، وبين طلقات كلاشينكوف للاستخدام المحلي في قطع الطرق وسرقة البيوت علاجاً للفقر.
-2-
لم تفاجئني أخبار القراء، فئران الكتب، كما يقال عن مدمني القراءة أيام زمان... تلك الأخبار عن نقص فادح في عدد زوار معارض الكتاب في البلاد العربية، وعن نقص، فادح أكثر، في عدد المشترين.
عشرات الأسباب التي يمكن تعدادها... وضعت الكتاب في رف اليتامى. من بينها الإجابة المحبطة على سؤال: لماذا أقرأ؟
أنا أيضاً لم أعد أشتري كتاباً، مادام لدي كل هذه الرفوف على كل هذه الجدران، المشتراة والمهداة، من كتب ومجلدات، تولىّ الغبار احترام أفكارها... واحترفت أنا إهمالها. ومعي خادم معلومات 24/24 هو غوغل ولكن... الكتاب هو المعلم. ومن ليس لديه معلم... تنتظره المتاهة.
اعتباراً من الغد سأبدأ دورة محو أميّتي، وهي دورة مفتوحة...
فلقد اكتشفت، متأخراً، جهلي!
-3-
منذ بدأت البطلة الأولمبية الآسيوية، الصينية تحديداً، تستعرض عضلاتها... أعني الكورونا، احتقرتها ونددّت بها، وكتبت هجاء لها يستند إلى حجج لا تصمد أمام أمواج الذعر وحراس النظافة الهجومية. على الحياة اليومية. وحتى عندما أصبت بها لم أخش عودتها.
وهكذا لم أكن بحاجة إلى أدلة لأرفض التلقيح ولكن الرأي العام لن يتركك فتلقحنا.
في الجرعة الثانية كان الازدحام لا يطاق. فجاء من قال لي: هات ألفي ليرة فنسجل التلقيح على البطاقة، فيما اللقاح تضخه الممرضة على قطنة وترميها في سلة المهملات. قلت: شكراً وانصرفت دون جرعة ثانية حتى الآن. وها أنا ذا حي أرزق.
-4-
من دفتر قديم:
تعليقاً على الثقافة والكتب:
"كانت مصر تؤلف.
كانت بيروت تطبع.
وبغداد... تقرأ.
صارت القاهرة ترقص.
وبيروت تسكر.
وبغداد تلطم."
