يوميات سورية 26

09 أكتوبر 2021
09 أكتوبر 2021

ـ 1 ـ

أنقذته في عام 1975 من الغرق، في بحر اللاذقية. وأنقذته من استدعاء أمني بتهمة غير صحيحة. دمشقي أصلي، مهذب جداً، ومجتهد بموهبة الحرفي خريج الأدب الإنجليزي الفاخر.

كتب لي إهداء على مجموعته القصصية الأولى: «إلى عادل منقذي من الغرق أرجو ألا تندم على ذلك».

عندما أصبح وزيراً للثقافة لم ينتبه إلى زملاء الحياة، من موقعه الحساس، حيث لا نصلح ـ كبقايا يسار مزعوم ـ لحسابات المناصب. ولذلك عندما التقينا في الحي الذي نسكنه كلانا... سلم عليّ كمن يقول وداعاً...

ويشاء القدر ألا نلتقي أبداً...

مات في نيويورك بالكورونا.

ـ 2 ـ

«عناية جابر»... شاعرة لبنانية وصحفية. وفي المجالين لها علامة تميزها وتستحقها. أما الموهبة الثالثة فهي الغناء... والموهبة الأولى، عندي أنا، أنني أحب هذه الشاعرة الصحفية المغنية التي تغني مرة واحدة في العام. وقد فعلت ذلك بدار الأوبرا في القاهرة وفي قاعة اليونيسكو في بيروت.

ولكن عناية الصبية... ماتت!

ولم أعرف كيف أرثيها.

تذكرت أنني كتبت لها هذه الجمل والأفكار في رسالة:

1 ـ الغناء أداة الصمت.

2 ـ مهارة السماء المطر. والرعد تدريب على أغنية البرق إيذاناً ببدء الحفلة.

3 ـ في فمي أغنية لم أعرف، بعد، ماذا سيكون مصيري إذا غنتها امرأة أحبها؟

4 ـ بضع أغان صنعت قلوبنا. بضع أغان أخرى اعتذرت عما فعلت.

5 ـ تفتنني أغنيتك لأنها جاءت تسلي حزني.

6 ـ لم تكن فيروز على ما هي عليه لولا إحساسها بالإهانة من نقص مالها.

7 ـ أصل الغناء تسلية لروح الخائف. لاحقاً... لتدفئها.

8 ـ انتبهي. تمهلي وأنت تقولين في أغنيتك: «أحبك حبين...» فلربما كانوا ثلاثة.

9 ـ اغرورقت عيناها بالدموع، وهي تلملم أغنية سقطت في الطريق.

10 ـ غنّ لي... ربما أشبع حليباً من صدر السنونو.

ـ 3 ـ

«ستيف» أزاح عني لحظة ضجر في طقس يريد أن يكون ماطراً، بقصة احتياله الذكية.

ستيف... شاب أمريكي غارق في الديون، نشر إعلاناً عن بيع مجفف ملابس يعمل بالطاقة الشمسية بسعر 50 دولارا عبر النت. فاكتشف الزبائن، بعد الشراء ودفع الثمن، أن المنتج المعلن عنه، عبارة عن حبل غسيل. فقاموا جميعاً برفع دعوى في القضاء، بتهمة الاحتيال. وفوجئ الجميع بأنهم خسروا الدعوى لأنه لم يغش: نشر الغسيل على الحبل يعتبر تجفيف بالطاقة الشمسية.

المفاجأة أنه ربح تعويضاً قررته المحكمة للإضرار بسمعته البريئة.

ـ 4 ـ

هناك طابة مثقوبة مهملة تحت المطر، خلف سياج الحديقة... إنها إحدى الأشياء التي «لا تنسانا» نحن أطفال تلك الأيام.

أنت أيتها الفتاة، شجرة البرتقال التي زرعناها في عيد ميلادك الأول... لا تزال تطعم الجيران منذ 25 سنة في قبرص حي أرسينو بناء رقم 10.

سنرتب رحلة عائلية إلى تلك الشجرة. ونتذوق نضوج الزمان.

ـ 5 ـ

من دفتر قديم:

وجه اللاجئ، وهو يبتسم، يبدو كأن ثمة ألماً في الفك.