نوافذ :وجه الغرب الحقيقي

16 أكتوبر 2023
16 أكتوبر 2023

فُجع العرب في أمرين خلال أحداث غزة الأخيرة التي تشتعل معاركها، وكان لا بد منها نتيجة تراكمات الـ75عاما وهي عمر القضية، الأول، الوجه الحقيقي للغرب الذي ظهر جليا وتبنى براءة الاحتلال من كل ما يحدث من مآس في الشرق الأوسط وقدمه على أنه الضحية، والثاني، ارتفاع مستوى الحقد والكراهية للاحتلال والدول الداعمة له تجاه كل ما هو عربي فلسطيني والتمسك بتدميره وفنائه.

فالأول أظهر فيه الغرب المساند المطلق لإسرائيل ومدى تمسكه بقضية بقاء الاحتلال الوجودي واعتبرها قضية مصيرية له لا يُساوَم عليها في مقابل مصالحه الاستراتيجية مع العرب، وشاهدنا هرولتهم لعدد من الدول العربية لانتزاع موافقتهم على إبادة سكان غزة، لكن الغرب فوجئ برد أغلب العرب على عدم قبول هذا المقترح رغم الإلحاح فيه، ويبدو أن ما سمعوه من الرئيس المصري كان تأكيدا واضحا على ذلك لما قاله بقية الزعماء العرب، وهذا مؤشر على اختلال علاقة العرب بالغرب الذي تجاوز حدود المعقول، ليمثل ذلك نقطة فاصلة في تاريخ هذه العلاقة التي بُنيت فقط على مصالح الغرب.

الغرب الشعبوي الذي ضلله الإعلام العالمي بدأ يفيق على حقائق الإعلام العربي الذي نقل أبشع جرائم التاريخ البشري مخلدا استحالة العيش مع المحتل في منطقة واحدة، وأن أي اتفاقيات معه لا تساوي قيمة حبر ما يكتب كونه لا يمكن الوثوق فيه نظرا لتلك الغطرسة التي يمارسها على الشعب الفلسطيني الأعزل. لذلك فإن ما حدث أكد لعموم العرب والمسلمين وبعض نخب الغرب المتعاطف مع القضية الفلسطينية، أن الغرب المسيحي الصهيوني وراء كل نكبات العرب منذ خروجهم من الأندلس حتى اليوم، فهو لن ينسى امتداد حكم المسلمين لقرابة 700 سنة نشروا فيها العلم والتقدم الحضاري. انكشف الغرب ولم يعد هناك مراهن على حسن نواياهم تجاه هذه القضية حاليا ومستقبلا أو أي قضايا أخرى في المنطقة التي أتخموها دماء وتدميرا من أفغانستان إلى العراق والصومال وسوريا.

الثاني مدى تلك الكراهية البغيضة التي أظهرها الاحتلال على الفلسطينيين والعرب وتمسكه بعقيدة إلغاء الآخر، متكئا على مساندة الغرب الذي دفع بعناصره لمساعدة إسرائيل في تدمير البشر والحجر في القطاع والضفة ليقارب الرقم 3000 شهيد، واستعجاله الحرب وحشد أساطيله لمقارعة مقاومة شعبية تسعى للعيش بكرامة والخروج من سجنها الكبير. هذه الكراهية تجلت في تصرفات جنود الاحتلال الذين أظهروا أبشع المشاهد المقيتة في الإعدام الميداني وترويع الأبرياء ونسف الأبراج والمنازل على ساكنيها ومطالبتهم بمغادرة القطاع حتى لا يعودوا إليه مرة أخرى.

ووسط كل هذا الركام والتدمير والحطام والجثث يبدوا أن العرب فرضوا أنفسهم إعلاميا وصحفيا لأول مرة في تاريخهم الحضاري ويقدمون شواهد حية على حجم الكراهية والعنف والاستبداد والطغيان والقتل والتدمير وانعدام الإنسانية، فكل الحروب والمواجهات العسكرية في التاريخ لها ضوابط تمنع التجاوزات والانتقام إلا هذا الطرف الذي يعد نفسه فوق كل شيء في العالم ولا شيء سواه. الإعلام العربي استطاع أن يقدم الأحداث بصورة مجردة متفوقا على إعلام الغرب الديمقراطي الذي انتقى أوجاع الإسرائيليين «فقط» ليمعن في التشويه لصورة الفلسطيني المطالب بأرضه التاريخية، واستطاع الإعلام العربي أن يجعل الغرب شاهدا ومتابعا على الهواء لما يحدث من مجازر في غزة لحظة بلحظة وهذا أمر مهم جدا في تغير القناعات. ما حدث ويحدث هو نتاج طبيعي لذلك الشحن المستمر للانتقام من الفلسطينيين الذي هجروا وشردوا منذ أن جاء الاحتلال ومنحه الغرب دولة يقيم فيها «الغرب الذي يعطي ما لا يملك» ومنذ 75 عاما وكل أحرار العالم يطالبون بحل القضية وتنفيذ حل الدولتين بدءا من كامب ديفيد إلى أوسلو إلى شرم الشيخ، وكان ثمن ذلك التعنت انفجار الأوضاع التي كانت متوقعة، والتي ستغير تداعياتها أوضاع قائمة، فإما الذهاب إلى التسوية والعيش بسلام، أو إلى المزيد من الدماء.