نوافذ :هل ننجو من القارئ؟

31 مايو 2023
31 مايو 2023

في أمسية بيت الزبير التي أقيمت يوم الاثنين من هذا الأسبوع احتفاء بفوز زهران القاسمي بالجائزة العالمية للرواية العربية، سأله أحد الحضور، إن كان وهو يكتب يفكر في القارئ الأفريقي؟ وأظنه ضرب المثل مدللا على الانتشار المرتقب للرواية بعد الترجمة.

وكانت إجابة القاسمي مثالية وهي «أنه أثناء كتابة النص لا يفكر في شيء بل يستمتع بالكتابة ويستغرق فيها»، ثم أضاف أن حضور القارئ يأتي في مرحلة لاحقة، بعد الانتهاء وخروج الكتاب إلى القارئ.

تذكرت لاحقا أنه سبق للناقد السعودي محمد العباس أن طرح علي سؤالا مشابها بعد صدور الباغ، إذ سألني من هو القارئ الضمني عند بشرى؟ وأتذكر أني أجبته بـ«أبي»، وفسرت ذلك في حينها بحسب ما أذكر بأن أبي رجل قارئ ومثقف وأن ذائقته الأدبية عالية.

بحسب إيكو فإن الكاتب والقارئ لا يجتمعان، ففي أثناء القراءة يغيب الكاتب، مثلما يغيب القارئ أثناء الكتابة، لكن هل هذا غياب تام ينفي شبهة الحضور فعلا؟

هل غياب التفكير في الأب -مثلا- أثناء الكتابة ينفي حضوره؟ وهل حضوره يعني استحضاره فعلا أثناء عملية الكتابة، أم أن الأمر يذهب إلى أبعد من لحظة الكتابة نفسها، إلى ما قبل الجينات والتنشئة والذاكرة والتأثير؟

هل أستطيع التنصل من حضور القارئ الضمني أو المثالي الذي هو أبي وتأثري بذائقته الأدبية؟ هل خرجت فعلا على كل ما علمني إياه وتجاوزت كل ما عرفته وتعلمته وجربته على يديه؟

بصيغة أخرى هل يمكن أن نشفى من معرفتنا السابقة ؟ هل نتجاوز مكوناتنا الأولى ونعيد خلق أنفسنا من جديد؟ وهل يتطلب ذلك فقدان تام للذاكرة؟ وإن فقدنا الذاكرة هل سيكون بإمكاننا أن نكتب؟ نحن الذين ندرك أن جزءا كبيرا مما نكتبه ما هو إلا شكل من أشكال الاستعادة، وأن نصوصنا ما هي إلا تراكم لنصوص سابقة، مثلما وجودنا اللحظة تراكم لتاريخ طويل من وجود الكون والإنسان فيه.

نعم تستغرقنا لحظة الكتابة كما تستغرق الطفل لحظة اللعب، فلا يفكر في أي شيء خارج عالمه الذي أنشأه خياله فتمثل عالما من مكعبات أو رمل أو لدائن على هيئة بشر أو حيوانات أو موجودات، عالم يعيد تشكيله محاكيا للعالم الذي يعرفه، لكنه أيضا يعيد تشكيله كما يشتهي.

بموازاة هذا السؤال أو ضده ربما بإمكاننا أن نطرح سؤالا آخر، هل يعيق الكاتب فعلا استحضار القارئ المثالي أيا كان؟

يستنكر بورخيس الفكرة كلها عندما يقول «يا له من تصريح سخيف، كيف يمكن للشخص أن يكتب بشكل أفضل أو أسوأ بسبب تفكيره بمن سيقرأ له؟».

إذن يبرئ بورخيس القارئ ويحمل الكاتب المسؤولية الكاملة عن نصه، لأن الكاتب الجيد يلعب بشكل جيد، واللاعب الجيد لا ينتبه لجمهوره رغم معرفته بوجودهم، هو مشغول باللعبة في لحظتها الغامرة، يلعب مدركا للعيون لكنه غير منشغل بها.