نوافذ : قمة جدة.. تغيرات استثنائية

18 يوليو 2022
18 يوليو 2022

Salim680@hotmail.com

خرجت قمة جدة الأخيرة بواقع لافت جدًا، يحدث لأول مرة في تاريخ العلاقات العربية الغربية منذ 80 عامًا، تمثل في طلب غربي وهو تخفيف وطأة ارتفاع المعيشة في أمريكا وأوروبا بالذات، وذلك بزيادة إنتاج النفط العربي لخفض الأسعار، وكبح التضخم وتلبية احتياج الأسواق من الطاقة. وهذا يعد أمرًا تاريخيًا استثنائيًا أن يكون للعرب دور محوري ومصيري في حالة كهذه تمس معيشة كل إنسان على وجه الكرة الأرضية، لارتباط النفط بنقل السلع وتشغيل كل مناحي الحياة. هذا المؤشر يعطي استنتاجًا أن النفط لا يزال المؤثر الأول في العالم رغم الحديث عن تطوير وتوسيع استخدام الطاقة النظيفة والخضراء التي يتجه إليها العالم، وثانيًا لا يزال النفط العربي سلعة استراتيجية قد تغير مفاهيم المستقبل للعالم في أي وقت، وثالثًا أن التأكيدات بأن الولايات المتحدة قد اكتفت ذاتيًا، وبدأت بتصدير النفط الصخري يلقي بعض الشكوك حول تلك التقارير وبالشكل الذي أعلن عنه.

ما قبل قمة جدة ليس كما بعدها في أمور تتخطى النفط والطاقة، ولعل ما سبقها من حديث حول ناتو عربي الذي أرادت بعض الدول أن تقدمه كمقترح، قد تبخر؛ لأن القناعة العربية لم تتغير وترفض المبدأ من أساسه، إضافة إلى أنه غير منطقي. وأظهرت القمة صوتًا واحدًا لا يزال يزعج الغرب وهو الإجماع على مطالبة الإدارة الأمريكية بقيام الدولة الفلسطينية عبر حل الدولتين الذي يرتكز على المبادرة التي قدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة العربية 2002 ببيروت التي تضمنت الأرض مقابل السلام. والإجماع على المطالبة بجهود دولية أكبر لإحلال السلام في اليمن بعد إنجاز الهدنة التي بدأت قبل أكثر من شهرين، وتجددت حقنا للدماء التي تؤسس لسلام مرتقب من خلال حوار بين الفرقاء، إضافة إلى دعم جهود إنجاز حكومة موحدة في ليبيا، والانسحاب من شمال سوريا. قمة جدة التي بدأت تثبت لحوار سنوي بين العرب والغرب أظهرت متغيرات جوهرية في المساومة على المصالح، وعدم التبعية في المواقف السياسية للغرب، وكذلك القدرة على توحيد المواقف العربية أمام الغرب، وتحديد المصالح، وعدم الانخراط في تكتلات تضر بالمصالح العربية كالحرب الروسية الأوكرانية أو التضاد مع الصين. أكد العرب رغم العلاقات التاريخية مع الولايات المتحدة أن لهم مصالح في العالم، ومن حقهم التفاعل مع الدول التي تخدم هذه المصالح كروسيا والصين، حيث لم يعد ذلك حكرًا بعد تراخي الغرب في تقدير هذه المصالح مع العرب، والانحياز لإسرائيل، ومن النقاط المهمة أن العرب استطاعوا من خلال هذه القمم مع الولايات المتحدة الأمريكية أن يربطوا مصالحهم بقدر ما يقدمه الغرب لهم من مصالح، وفتح سقف الاختيار مع الآخرين من الفاعلين الدوليين، وبالتأكيد خرجت الولايات المتحدة بمكاسب مهمة.