نوافذ: فلسطين .. جنائز الحرية
تساقط شهداء فلسطين خلال هذه الأيام إثبات لمن يشكك في تراجع القضية التاريخية، بأن الأجيال لن تنسى أبدا الأرض المغتصبة طال الزمن أو قصر، وإن الحقيقة الدامغة التي يرفضها الاحتلال هي أنه لا سلام مطلقا في الشرق الأوسط ما لم يكن الفلسطينون جزءا منه، فهم من يصنعون السلام وهم من يصنعون المواجهة مع الاحتلال.
تصاعدت في الآونة الأخيرة المواجهات الميدانية في الضفة الغربية وفي الداخل الإسرائيلي وفي تل أبيب بالذات التي تعبر عن احتقان لدى الشعب الفلسطيني وانسداد لأفق السلام الذي كان يعول عليه الكثير بغية الوصول إلى حل نهائي يضمن للشعبين حياة آمنة ومستقرة، وصدقت التوقعات التي حذرت أن السلام وهم لدى الآخر مهما تبدلت الوجوه.
انتظر الفلسطينيون 74 عاما للحصول على حريتهم، ولازالوا يقامون، منذ إعلان الأمم المتحدة قيام الكيان الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المغتصبة، ومن ذلك التاريخ والدم الفلسطيني لازال يجري على أرض الزيتون، فداءً للقدس ومسرى الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومهبط الديانات، ولازالت الأمهات يودعن أبناءهن في مواكب جنائزية كل يوم، ولازال آباؤهم يتجرعون الحزن مع مغيب كل شمس، ليمثل صمود الفلسطينيين على أرضهم أسطورة لم يتقادم عليها الزمن ولم تتراجع فيها الهمة ولم تتراخ العزائم، ولازالت صدورهم مليئة بالأمل في أن تعود يوما فلسطين دولة حرة على كل ترابها التاريخي وأن يعود أبناؤه من الشتات إلى وطنهم كما كان ذلك قبل 48.
الحقيقة التي لا يريد أن يقبلها البعض أن المتغيرات العالمية والتاريخية، على واقع المصالح بين الدول الكبرى تتشكل بمشهد آخر وأن الحرب الروسية الأوكرانية الحالية واحدة من هذه المتغيرات التي قد تدفع القضية الفلسطينية قدما، وان الاحتلال لن ينعم بالسكينة والاطمئنان والهدوء والاستقرار حتى يوم القيامة أمام العزيمة والأحداث الأخيرة التي أعادت فلسطين إلى الواجهة، وأنه مهما تسلح الاحتلال وأوغل في الاعتداء على المدنيين الفلسطينيين لن يستطيع أن يصنع وهم الاستقرار، وأنه رغم توسعه في علاقاته مع المحيط المجاور له لن يكفي في فرض سلام داخلي .
السلام يبدأ مع الفلسطينيين وينتهي عندهم، وليس سواهم وهذه الواقع الذي لابد أن يقبل به الاحتلال ومن يدعمه، فمن يحمل روحه على كفه فداء للأرض المباركة لن يركع ليكون فئة ثانية على أرضه ، وهذا واقع لازال الاحتلال يقاومه ، لكن ذلك لن يطول.
