نوافذ.. الحرب .. و زيف حياد الإعلام..
الحرب الروسية الأوكرانية كشفت زيف بعض ما كنا نعتقد أنه يمثل قمة التعاطي الحضاري في مسألة نزاهة الصحافة والإعلام العالمي الذي ركز عليه الغرب، ووجهه إلى عالمنا في الشرق طيلة الـ 50 عاماً الماضية، والتي اعتبر فيها أن الشرق متأخر في تطبيق المعايير الخاصة بحرية الصحافة والإعلام .
انكشاف تلك المبادئ أمام وطأة هذه الحرب عرّى ما كان يتم ادعاؤه بأن للحروب أخلاقيات، وأنه مهما استعرت أي حرب لابد أن يكون دور الصحافة والإعلام ذا مصداقية وشفافية، وأن يتجرد من مسألة الانحياز العاطفي..
ما حدث أن منابر الإعلام والصحافة الغربية لم تستطع الانتظار لمعرفة اتجاهات الحرب الحالية حتى، وتخلت عن الحيادية عندما نادت بعض الدول في توجيه إعلامها وصحافتها إلى مسار آخر تماما مختلف عن تلك المبادئ، لتفرض إزدواجية في التعاطي الإعلامي عندما قررت منع بث قنوات تلفزيونية على أراضيها، وكذلك حجبت عديد المنصات الإلكترونية للجرائد والصحف والمجلات، وأيضا أغلقت قنوات تلفزيونية بسبب المواقف السياسية..
وتمثلت هذه الخطوة ضمن العقوبات التي يفرضها الغرب على بعض أطراف الحرب الروسية الأوكرانية.
هذا الإجراء مثل صدمة كبيرة في تاريخ الصحافة التي حاول الكثير تحييدها عن المواقف السياسية، وانتكاسة أكبر من ذلك الإدعاء على دول طالما صنفت أنها متاخرة في حرية الصحافة والإعلام.
صدمة لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعها في دول أزعجت العالم ليل نهار بحرية الصحافة والإعلام واتخذت منابر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية مكاناً لإبراز تقدمها وإيمانها بتلك المبادئ الصحفية والإعلامية.
هذه الصدمة مثلت أبرز الإيجابيات لهذه الحرب؛ حيث قدمت صورة حقيقية لازدواجية المعايير للغرب والذي لم يتحمل القدرة على أداء رسالته الصحفية والإعلامية بالمنطق الذي كان يرتكز عليه.
ولعل من الإيجابيات أيضا أن هذه الوسائل لا تتأكد من بعض المواد التي تبث رغم افتعالها، ورغم معرفة البعض بأنها غير حقيقية وإنما تدخل ضمن الحرب النفسية؛ لكن بقصد وبدون قصد تنشر وتبث ذلك خلافا لمبادئ التحقق منها، وتساهم في تزييف الحقائق التي كانت هي تتصدى لها.
كما أن مثل هذه الحروب أبرزت لغة عنصرية أيضا لا يمكن أن يقبلها المجتمع الدولي، وهي أن أطراف الصراع الحالي لا يمكن أن يكونوا لاجئين بحكم لون شعرهم الأشقر وعيونهم الزرقاء، والأسوأ مقارنة ذلك بمن قتل في الحرب العراقية والسورية والليبية والصومالية وغيرها من المآسي الإنسانية التي عرفها القرن الحالي بيد الغرب.
اليوم تتشكل صورة أخرى وهي الحقيقة الواضحة في لغة الصحافة والإعلام في الغرب؛ إنها لا تنفك عن التعاطف السياسي مهما بلغت جعجعة الأصوات المناوئة بالانحياز إلى المصداقية والشفافية التي دهست أمام آلات الحرب الروسية الأوكرانية.
