نوافذ : أوطان لن تبقى على حالها
واهمٌ مَن كان يؤمن أن أوطانا في الشرق الأوسط انتفضت شعوبها ضد حكوماتها في موجة ما عُرفت بالربيع العربي وبعضها وصف بالثورة النرجسية، أن ذلك الفعل حدث كنتيجة طبيعية لما عانته شعوبها.
وأكثر الأوهام وأعظمها من اعتبر أن المتفرجين من جيران الشرق الأوسط القريبين وما وراء البحار كانوا أبرياء من تلك الفعلة.
البراهين كثيرة على أن ما حدث لم يكن تلقائيا، بل كان عرضة لمحاولات من الخارج قبل الداخل، ولمندسين جاءوا من الخارج إلى الداخل بعضهم خبراء أجانب متمرسون على إحداث الفوضى كالتي بشرّت بها الراحلة كوندليزا رايس، وبعضهم مأجورون وآخرون من أبناء تلك الأوطان المهاجرة وآخرون من الداخل عملاء للخارج ومتعهدو سلاح ناري وسلاح إلكتروني وأبرياء كانت لهم رسالة يؤمنون بها لتغيير حال أوطانهم إلى الأفضل فاستُغلوا كأعداد بشرية ضمن تلك المظاهرات المسيّرة التي قبضت قلوب المخلصين.
انتهت الجولة الأولى والتي كسب فيها العرب بقاء دولتين قدّر الله أنهما لم تقعا كما خطط لهما، الأولى مصر التي نجت من الكيد وسوريا التي استعادت أغلب أراضيها وما زالت تجاهد فيما تبقى.
لكننا خسرنا اليمن منذ ٨ سنوات وهو يعاني من النيران أملا في أن يعود يمنًا لا يمنَين، لكن العراق أُنهك بالفوضى من الداخل والخارج والاستنزاف المالي لموارده.. التي كانت تشكّل ركيزة العراق العظيم.. وخسرنا ليبيا الموحدة التي اقتربت من عودة وحدتها عدة مرات وكلما لاح أمل ذلك يتدخل المأجورون في إفشال المشروع من الداخل والخارج أيضا، وعانى لبنان من التضادات بين قياداته وأحزابه وما زال.
ولحق السودان الذي كان خارج الرهان على أن يسلك مسلكهم بتلك الفوضى التي كان هدفها التغيير وجره ذلك إلى ارتفاع في المعيشة كنتيجة لما حدث ولم يكن السودان لوحده بل لحق بتلك التي جربت التغيير.
الموجة الثانية من التغيير ستكون أكثر نجاحا، فأدوات الفوضى الخلّاقة ستختلف عما كانت في الجولة الأولى لأنها أجرت عليها تقييما وأدخلت عليها عديد التعديلات لضمان أن تكون كل تلك الدول مقسمة إلى دويلات طائفية ودينية ومذهبية، وسيتم الاعتراف بها سريعا وتحت عنوان أنها رغبة الشعوب كحالة "فنزويلا" والتي أيضا في مرحلة ثالثة من التقسيم لاحقا لتكون دويلات قبائل وعشائر.
ومع أنباء غير مؤكدة باعتقال أكبر المدبرين للفوضى في مصنع أوفيستال الأوكراني على يد القوات الشيشانية، فإن البديل جاهز لمواصلة السير؛ فالمشروع عالمي لا يموت بغياب عرابيه.
هذا الحال القادم سيجد رغبة أكبر من بعض الشعوب التي تعتقد أنها لم تحقق كامل أحلامها، وأن لحلمها بقية حتى تترسخ لديها قناعة الثور الأسود.
الأوطان حصانتها أبناؤها من النخب والمثقفين الذين لا تزحزحهم العاطفة في الإيمان بما يتردد في الرأي العام العابر وإن كان ذا غلبة، وتراهن على متنوريها الذين يدركون أن الوطن لا يعوَّض وأن الأمن لا يقدَّر بثمن وأن السلام أصبح للبعض أمنية مستعصية بعيدة المرام.
حصن الأوطان بوجود التنوع والتعددية والاختلاف في الرأي للأفضل ومن أجل الأفضل، ومناعة الأوطان في قدرة طيفه على الإيمان أن استقرار الوطن أعظم من أمنيات التغيير السوداء التي تأخذك إلى مسار لا عودة منه والشواهد كثيرة لا تحتاج إلى برهان.
