نوافذ : أوديب واضطرارات الحكم

08 ديسمبر 2021
08 ديسمبر 2021

تتلخص قصة مسرحية أوديب أو كما تعرف عند الأغريق بأوديب الطاغية، أنه قتل أباه وتزوج أمه، ثم عندما عرف ما اقترفت يداه سمل عينيه وعاش مشردا كشكل من أشكال العقاب الإلهي.

لكن هذا الملخص مجحف إلى حد كبير، فالحكاية تبدأ مع الملك لايوس، الذي أصابته لعنة الآلهة، التي تقتضي بأنه سينجب ولدا سيقتله ويتزوج أمه، وخوفا من تحقق اللعنة يأمر الملك لايوس زوجته جوكستا بقتل ابنهما الرضيع، لكن الأم لا تقدر على ذلك فتأمر أحد خدمها بأخذ الطفل وقتله، إلا أن الخادم الذي يشفق على الرضيع، يتركه على قمة جبل، حيث يجده راعٍ من الرعاة يأخذه إلى الملك بيلوبس الذي لا نسل له فيتبناه.

يكبر أوديب كابن للملك بيلوبس وزوجته العطوف ميروب، وفي حفل صاخب يفقد أحد مدعوين رشده فيخبر أوديب أنه ليس ابنا شرعيا للملك وأن ميروب ليست أمه، يتفاجأ أوديب بهذا الخبر، فيذهب إلى العرافة في معبد دفلى ليسألها، تتجاهل العرافة سؤاله لكنها تخبره أن قدره هو أن يقتل أباه ويتزوج أمه.

يهرب أوديب من هذا المصير وفي ظنه أن الملك بيبلوس أباه وأن الملكة ميروب هي أمه، يمتطي جواده ويتجه إلى طيبة، كي ينجو بنفسه وأسرته من ذلك المصير المشؤوم، وفي الطريق تعترضه عربة، فيتعارك مع ركابها ويقتل رجلا كبيرا، ثم يتابع هربه إلى طيبة، وعندما يصلها يتزوج الملكة جوكستا بعد أن استطاع حل اللغز شرط زواجها.

هكذا تتحقق النبوءة، فالأب الذي أمر بقتل ابنه لا يستطيع إبطال اللعنة ويموت على يد ابنه ثم سيتزوج ابنه من أمه.

لم يكن هناك صراع بين أوديب وأبيه على الملك، لكنه في الأصل كان صراعا على الوجود، وكان على واحد منهما أن ينجو، إما الأب وإما الابن، ولأن من طبيعة النبوءات أن تصدق فكان على أوديب أن يقتل أباه ولو بعد حين.

أما الخليفة هارون الرشيد فيؤثر عنه أنه قال لابنه الأمين "الملك عقيم ولو طلبت الذي في يدي لأخذت الذي في عينيك"، لكن هارون لم يقتل أيا من ابنيه بل تركهما ليقتتلا بعده.

وهناك الكثير من الأمثلة التاريخية والحكايات التوراتية والسير التي تورد الصراع الأزلي بين الآباء وأبنائهم أو الأخوة فيما بينهم على الملك، حتى أنه ورد في "قانون نامه"، وهو القانون الذي وضعه السلطان التركي محمد الفاتح لتسيير نظام الدولة، "يمكن لأي من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره أغلبية العلماء".

نحن لا نعرف العلماء الذين أباحوا القتل، لكننا نعرف أن الملك لا قلب له، وإن شذ البعض عن هذه القاعدة، فتنازلوا لأبنائهم عن عروشهم طوعا، مثل السلطان تيمور بن فيصل عندما تنازل عن الملك لابنه سعيد عام ١٩٣٢، لأنه كان محبا للحياة زاهدا في الملك ولأنه ربما كان مدركا لقسوة لعبة الأمم.