نوافذ :أهمية سنغافورة والهند

11 ديسمبر 2023
11 ديسمبر 2023

يبدأ جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- يوم غدٍ زيارتيه التاريخيتين إلى كلّ من جمهورية سنغافورة وجمهورية الهند؛ تلبية لدعوتين كريمتين من رئيسي البلدين. وتأتي الزيارة الأولى إلى سنغافورة لما يربط البلدين تاريخيًا من علاقات ممتدة دشّنتها قوافل التجارة منذ قرون ثم تطورت إلى افتتاح أول قنصليتين عام 1985 ثم رُفعت إلى مستوى سفارة عامي 2022 و2023.

إضافة إلى العلاقات التاريخية مع جمهورية الهند التي تمتدّ إلى أكثر من 50 عامًا، وهي الجار الشرقي المقابل لسلطنة عُمان على المحيط الهندي من خلال قوافل التجارة، أيضا التي كانت تسيّرها مسقط والوجود العماني في الحقب الماضية ودور العمانيين في نقل التجارة إلى المنطقة العربية ودول الإقليم في غرب آسيا، ثم إلى دول شمال البحر المتوسط (أوروبا حاليا) وكذا إلى إفريقيا.

يُنظر إلى هاتين الزيارتين بأهمية بالغة جدا؛ حيث إنهما تمثلان انفتاحا أكبر باتجاه الشرق والذي يعد بوابة تطوير التبادل التجاري مع هاتين الدولتين في اقتصاديات دول آسيا والتي كانت منهما سنغافورة، أحد نمور القارة في عصر ازدهار الاقتصاد في تسعينيات القرن الماضي، حيث الناتج المحلي لسنغافورة الذي يبلغ (397) مليار دولار عام 2021، والهند التي تتعافى رويدا رويدا ويبلغ ناتجها المحلي المتنوع (3 تريليونات و390 مليار دولار).

يربط سلطنة عُمان وسنغافورة والهند علاقات تاريخية وثيقة منذ ما عُرف بطريق الحرير قبل قرون حيث كانت سفن التجارة العمانية تتهادى إلى ميناء كانتون بالصين مرورا ملاحيا بجنوب الهند بالقرب من سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا، وتوثقت علاقات تجارية قبل أن تكون دبلوماسية عند توقُّف تلك السفن في ميناء سنغافورة، ووصلت تلك السفن أيضا إلى موانئ الهند الغربية والجنوبية والشرقية، ثم إن هذه العلاقات الممتدة تركت شاهدين بارزين في سنغافورة هما وجود شارع مسقط في العاصمة السنغافورية في حي كامبونج جلام الذي عُرف بهذا الاسم منذ 105 أعوام وأُعيد افتتاحه في 2011م وتميّز بطابعه العماني من مناظر وجداريات ولوحات إرشادية كأبرز الشواهد والجسور التي تنتمي للعمارة العمانية، إضافة إلى السفينة (جوهرة مسقط) التي أهداها المغفور له السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- عام 2010 المعروضة في المتحف البحري بجزيرة سنتوزا.

تهدف الزيارة إلى تحقيق أمرين هما رفع مستوى التبادل التجاري والاستثماري والاقتصادي مع هذه الدول، حيث التبادل التجاري يصل اليوم مع سنغافورة إلى 521.7 مليون ريال عماني، قرابة المليار ونصف المليار دولار كصادرات عمانية تمثّل 3% من الصادرات العمانية للعالم، وتمثّل الواردات السنغافورية 54.6 مليون عماني، ومع الهند في هذا العام قرابة (2.6) مليار ريال عماني، 1.304 مليار ريال عماني خلال الأشهر الستة الماضية والواردات قرابة (1.6) مليار ريال عماني، 793 مليون ريال عماني خلال الأشهر الستة الماضية.

وفي هذا الشقّ أيضا هناك التعاون الاقتصادي بين سلطنة عُمان وكل من سنغافورة والهند في إقامة مشاريع مشتركة، خاصة في التصنيع والذكاء والاصطناعي والطاقة الخضراء والأدوية والرقائق وأشباه الموصلات.

والثاني في تفعيل التعاون في المجالين السياسي والدبلوماسي الهادف للاستفادة من قدرات البلدان الثلاثة على الصعيد الدولي والتنسيق فيما يخصّ قضايا القارة الآسيوية وقضية الشرق الأوسط والصراع الدائر والاستفادة من علاقات هذه الدول مع عواصم القرار في العالم والبحث في بدائل المنظمات الدولية القائمة على المساواة والقيم والمبادئ.

لذلك فإن الزيارتين ينتظر منهما توقيع عديد الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والتصنيعية والإعلان عن إقامة مشاريع مشتركة كبيرة خلال المرحلة المقبلة تضيف قيمة لاقتصاد سلطنة عُمان، وهو ما يعد أبرز أولويات جلالة السلطان في المرحلة القادمة.