نوافذ : 1443 سنة من النور الساطع

09 أغسطس 2021
09 أغسطس 2021

منذ أن أنشد أهل يثرب "المدينة المنورة" لاحقا في 12 من ربيع الأول قبل 1443 سنة من الآن.. طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع..

مرحبين بهجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قادما من مكة السنة الـ14 للبعثة، وبعض المراجع تقول انطلقت في 27 من شهر صفر من السنة 13 للبعثة، في رحلة استغرقت بين 8 إلى 12 يوما وقطع خلالها الرسول الكريم وصاحبه 380 كيلومترا في مرحلة تحول استراتيجية مهمة .. وهذا الإسلام يشهد توسعا ساطعا ونورا لامعا في مشارق الأرض ومغاربها لم يتوقف حتى اليوم.

فلم تكن دعوة الرسول الكريم لأهل مكة أولا ولأهل يثرب المدينة ثانيا لدخول الإسلام وتحرير الناس من عبادة الأوثان إلى توحيد الله، دعوته عبثية، بل كانت رسالة تاريخية ملهمة أراد الله بها أن ينقذ عبادة من تلك الضبابية والظلامية التي انحرفت وحرفت بعد رسالة نبينا عيسى بن مريم عليه السلام الذي سبق ظهور الإسلام بـ 622 سنة، والبعثة بـ 608 أعوام، وكانت الهجرة بوحي إلهي بعد أن اشتدت مقاطعة قريش للمسلمين في مكة وتزايدت حالات التعذيب لهم ونية التخلص من الرسول وأتباعه، فكانت الهجرتان إلى يثرب والحبشة.

جاء الإسلام ليكون خاتمة تلك الرسالات التي أراد الله بها أن تكون الستار الأخير لعبادة على هذا الكوكب، فلم تكن رسالة الإسلام للعرب وحدهم بل لكل العالم، وهذا ما أكسبها العالمية، وما نشهده اليوم من انتشار له في الغرب والشرق كونه أحد الرسالات المنصفة للإنسان قبل كل شيء.

لكن قبل الوصول إلى هذه الإنجازات الإسلامية العظيمة، لا بد لنا أن نتذكر تلك المعاناة التي تعرض لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منذ بداية دعوته التي واجهت تحديات جسام بلغت حد الأذى لجسده الطاهر الكريم، والذي التف حوله في تلك البدايات المؤلمة والصعبة ثلة من أصحابه الذين كانوا يثقون في صدقية دعوته الكريمة، ناهيك عن الآخرين وهم الأغلبية في الجانب الآخر لمن نعته بأبشع الصفات من أقاربه ومجتمعه.

نتذكر لجوءه مع صديق عمره الصدوق سيدنا أبا بكر رضى الله عنه إلى غار حراء ثم الانطلاق إلى يثرب التي عرفت بعد ذلك بالمدينة المنورة في رحلة مصيرية محفوفة بالمخاطر، التي كانت الحاضنة له وللمهاجرين الذين لحقوه لينصروه، وليعضده أيضا الأنصار، لتنطلق معها تلك الرحلة التاريخية الاستثنائية لهذا الدين إلى آفاق العالم الرحب.

نتذكر أولئك القادة العظام الذين التحقوا به وكانوا أركان تلك الدعوة وركائزها لنشر الإسلام والفتوحات التي جابت الدنيا وتوسعت وتمددت على أيديهم وعانت ما عانت من ظروف الطقس وقلة الإمكانيات ووعورة الرحلات ومخاطرها المحدقة، وكانت على الموعد مع أشقاء لنا في الإسلام في المحيط الإقليمي من غير العرب و كان لهم أبلغ الأثر في ترسيخ أركانه وتزايد أتباعه..

نستحضر جحافل الفرسان والراجلة منهم والمساندة لهم وتلك الأنفس التي خطت تطوي الأرض وتسابق الزمن وتنشر راية الإسلام خفاقة بالعزة والكرامة، الذي اعتمد على فلسفة الإقناع قبل السيف، وعلى الترغيب لا الترهيب، إلا من عتى واعتدى، وعلى سلمية الدعوة وفلسفة التقريب لها، مما أكسبها تلك المصداقية الراسخة، وحتى في الحروب لم يبطش المسلمون بأعدائهم ، فلم يحرقوا سكنا او دور عبادة، وحيدوا المسنين والمرضى والأطفال والمسالمين وحفظوا الحقوق وصانوها وحموا أتباع الديانات من غير الراغبين في دخول الإسلام.

كل تلك المعاني السامية الراقية لم يأت بها أحد من الغزاة في التاريخ والتي أظهروها في كل موقعة، واكتسبوها كدعائم راسخة لهذا الدين، رفعت من قدره ونقائه وصدق مضامينه، لذلك بقي خالدا، لأنه لم يكن دعوة عابرة ذهبت مع الريح او تبخرت مع الرغبات، بل استمرت وتواصلت واتسعت وتعاظمت في زمن تتراجع فيه كل النظريات الوضعية، ليبقى الإسلام شامخا خالدا بمبادئه وقادرا على الإجابة عن كل الأسئلة الحيرى، وسيبقى كذلك إلى يوم الدين.