مانديلا في الرواية العُمانية

15 يناير 2024
15 يناير 2024

أمام الموقف الشجاع لجنوب إفريقيا بتقديم الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية، نستحضر مواقف الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا، الذي لم يرحل النضال الإفريقي برحيله مثلما هو الحال في بعض الجمهوريات العربية التي رحلت مع مؤسسيها أو مناضليها إلى العالم الآخر، وعلى مدار التاريخ كانت إفريقيا السمراء نصيرة للقضايا العربية منذ هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشة واللوذ بحماية الملك النجاشي وأمنه.

إذ لا يزال صدى المرافعات في قاعة محكمة العدل الدولية يرن في آذان العالم وعلى مسامع الصهاينة الذين ظنوا أنهم في منأى عن المحاكم وأنهم في كل مرة سيفلتون من العقاب. لن تبرح جنوب إفريقيا الذاكرة أبدا لعدة أسباب، منها أن الدولة التي رفعت الدعوى ضد الكيان الصهيوني هي دولة عانت الظلم والاضطهاد والفصل العنصري، وأن الكيان الغاصب للحق الفلسطيني استثمر معاناة اليهود وتاجر بالمحرقة وتحول الضحية إلى مجرم وظالم قولا وفعلا.

إن التضامن السلمي الذي أبدته جنوب إفريقيا نموذج يحتذى به في رفع الظلم عن المظلوم، بالفعل لا بالرغبات والأماني، وفي هذا الإطار قال جون لوك ميلونشون (72عاما) أمام محكمة العدل الدولية: «نريد أن نقول من كل قلوبنا مليون مرة شكرا لجنوب إفريقيا، إلى الحكومة التي أعادت الإنسانية إلى الواجهة في هذا الوضع المخجل. نحن هنا أمام محكمة العدل الدولية لنظام دولي غير عادل، وهذا مؤكد نظام دولي غير مكتمل البتة، ولكن نحن هنا أمام قانون الحق وليس قانون الاستقواء».

إن موقف جمهورية جنوب إفريقيا المُشرّف يقودنا إلى مسألة جوهرية تتعلق ببقاء الدولة التي لا ترحل برحيل زعمائها، بمعنى أن رحيل المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا (1918-2013)، لم يُفقد جنوب إفريقيا مكانتها الدولية، فهو لم يتشبث بالكرسي بعد انتخابه رئيسا لمدة خمس سنوات (1994-1999)، ولم يتناحر رفاقه للحصول على السلطة، كما حدث في العديد من البلدان التي تقاتل أبناءها لأجل المناصب والجاه، فنيلسون مانديلا لم يُحرر جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري فحسب، بل من التخلف والجشع وطموح السياسيين الصغار الذين دمروا بلدانهم لأجل غايات شخصية ومصالح فردية، كما لم يتوقف دعم جنوب إفريقيا للقضية الفلسطينية؛ ففي مقابلة تلفزيونية في حرم جامعة نيويورك - بعد خروج مانديلا من السجن - سأله (كين أديلمان) من معهد الدراسات المعاصرة قائلا: «هناك منا من يشاركونك كفاحك من أجل حقوق الإنسان وضد الفصل العنصري ومن ثم خاب أملهم إلى حد ما من نماذج حقوق الإنسان التي اخترتها، بعد خروجك من السجن، التقيت بياسر عرفات ثلاث مرات خلال الستة أشهر الأخيرة وأشدت به، وأخبرت القذافي أنك تشاركه في وجهة النظر وصفقت له ولسجله في حقوق الإنسان ودعمه للحرية والسلام حول العالم، وامتدحت فيدل كاسترو كقائد لحقوق الإنسان، وقلت إن كوبا هي إحدى الدول المتقدمة في حقوق الإنسان، وبالرغم من أن وثائق الأمم المتحدة ومصادر أخرى تظهرها واحدة من الأسوأ. أنا فقط أتساءل هل هؤلاء هم نماذجك لقادة حقوق الإنسان؟! وإذا كانوا كذلك، هل ترغب في أن يكون القذافي أو عرفات أو كاسترو رئيسا مستقبليا لجنوب إفريقيا؟».

رد عليه مانديلا:

«واحدة من الأخطاء التي يرتكبها بعض المحللين السياسيين هي أنهم يعتقدون أن أعداءهم يجب أن يكونوا أعداءً لنا. يمكننا فعل ذلك ولكن لن نفعله أبدا. لدينا نضالنا الخاص القائم، نحن شاكرون للعالم دعمهم لنضالنا، ولكن مع ذلك نحن منظمة مستقلة بسياساتها الخاصة، وموقفنا تجاه أي بلد يتحدد بموقف ذلك البلد تجاه نضالنا؛ ياسر عرفات والعقيد القذافي وفيديل كاسترو دعموا نضالنا حتى مقبض السيف. لا يوجد أي سبب على الإطلاق يجعلنا نتردد حول الإشادة بما فعلوه تجاه حقوق الإنسان كما فعلوا في جنوب إفريقيا. يستند موقفنا فقط على حقيقة أنهم يدعمون بشكل كامل النضال ضد الفصل العنصري، هم لم يدعموننا فقط بالخطابات إنهم يضعون الموارد تحت تصرفنا ومن أجلنا لانتصار القضية».

قادني وفاء مانديلا إلى البحث عن شخصية سردية تماثل كفاح المناضل الإفريقي العتيد في الأدب، لكني لم أعثر له على أثر في الرواية العُمانية على الأقل، إلا في رواية «سنوات النار» للكاتب والروائي أحمد الزبيدي (1945-2018):

«رحل فايل وأسرته إلى حارة مانديلا في وسط صلالة، تاركا خلفه فراغا واسعا في حياتنا الشخصية (أنا وسامر). كانت حارة مانديلا تضم تجمعا للعرب من ذوي الأصول الإفريقية، حيث سياسة الإقصاء والتهميش وثقافة العبودية دفعت الكثير من الأسر للإقامة في حارة مانديلا كملاذ شبه آمن».

كم أتمنى أن نجد سيرة المناضل الإنساني مانديلا في المناهج التعليمية وفي المقررات الدراسية؛ لتعريف الأجيال بمآثر المكافحين لأجل العدالة وحقوق الإنسان ورفع ظلم الإنسان عن أخيه الإنسان. كما أتمنى أن تقوم الجماهير العربية -حسب استطاعتها- ومؤسسات المجتمع المدني بالتوافد على سفارات جنوب إفريقيا في العواصم العربية وتسليم سفرائها رسائل الشكر والامتنان على موقف بلدهم تجاه القضية الفلسطينية.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني