ما يطلبه المستمعون

17 أبريل 2024
17 أبريل 2024

أحاول في هذا النص وبعض النصوص القادمة، توثيق بعض البرامج والصيغ الإذاعية، سواء التي قدمتها بنفسي، أو من تقديم زملاء آخرين، خاصة وأن بعض البرامج ربما كانت أنسب لمرحلتها، ولم تعد اليوم هناك حاجة لتقديمها بتلك القوالب نفسها، وإن كان بعضها يظل قابلا للتجديد ليقدَم بخطاب وأدوات العصر الذي نعيشه.. وأخصص مساحة اليوم لبرنامج (ما يطلبه المستمعون)، فهو واحد من أشهر البرامج التي لا أعتقد أن إذاعة في العالم العربي، وربما كل العالم، إلا وقدمت لمستمعيها مثله أو قريبا منه، لدرجة أن معظم الإذاعات تقدمه بالعنوان نفسه ولا أحد يكلف نفسه باستحداث عنوان آخر، كما أن المقصود مما يطلبه المستمعون هو الأغاني وليست المواد الأخرى، ولكن من جهة أخرى يمكن تمرير الكثير من المواد الإرشيفية بصيغ برامجية أخرى تنبش في ذكريات المكتبة الإذاعية، كما كنت أفعل في برنامج (ساعة في مكتبة الإذاعة).. وقدمت التلفزيونات أيضا (ما يطلبه المشاهدون)، وظهر برنامج ما يطلبه الأطفال في القناة الثانية المصرية.. بعض مستمعي ومشاركي ما يطلبه المستمعون يحرصون على المتابعة ليقوموا بتسجيل الأغاني كإرشيف شخصي من خلال الأجهزة المزدوجة التي كانت عبارة عن (راديو ومسجل). وتعد هذه خدمة إذاعية في عنصر الترفيه.. ثم أتى من استحدث فكرة -لا أذكر في أي إذاعة- وقدم برنامجًا بعنوان (ما لا يطلبه المستمعون) ليقدم الأغاني أو المواد التي نسيها الناس ولم يعودوا يطلبونها، وكأنه يريد رد بعض الاعتبار لها ولمطربيها. وظهرت لاحقا برامج الـ(توب تن - Top ten) وما شابه.. في إذاعة سلطنة عمان كثير من المذيعين شاركوا في تقديم برنامج (ما يطلبه المستمعون)، فهو يُدرج مع فترة دوام مذيع الربط الذي تكون لديه المناوبة، أو يكلف به أحد المذيعين أو المذيعات. وهو من أوائل البرامج التي قدمت على الهواء مباشرة وليست مسجلة، فهو عبارة عن طلبات المستمعين التي تأتي بالمراسلة عن طريق صندوق البريد 397 مسقط، سلطنة عمان، الخاص بالإذاعة.. من أبرز المعدين الذين قاموا بإعداد هذا البرنامج ــ حسب ذاكرتي على الأقل ــ هي الأخت الزميلة (سميرة فارس) حيث تقوم بفرز الرسائل الخاصة بالبرنامج وإعادة تحريرها أو إعدادها. فمن صيغ الإعداد مثلا: (أغنية أبو بكر سالم يا زارعين العنب، طلبها حمد سليمان ويهديها إلى أصدقائه سيف وسعيد وخميس ومبارك، مع باقة ورد عطرة للجميع. كما طلبت الأغنية صفية خلفان وتهديها إلى زوجها الغالي وإلى زميلاتها مزنة وكاذية وشريفة وخديجة، وإلى أخيها راشد بمناسبة عودته من السفر، كما تهديها لابنة عمتها بمناسبة النجاح .... إلخ) .. وقبل أن تقرر زميلتنا سميرة الأغاني التي ستبث الليلة ــ وعادة تكون حوالي خمس أغنيات - تمر على قسم الموسيقى والغناء للتأكد من عدم تكرار الأغاني على الخارطة البرامجية لذلك اليوم. كان خطها جميلا واضحا يسهل علينا قراءته. فحتى ذلك الوقت كانت البرامج تكتب بخط اليد، فقط نشرات الأخبار هي التي تطبع.. تقوم بإعداده صباحا في فترة الدوام الرسمي، ويقوم موظف المكتبة الفنية بتجهيز الأشرطة ووضعها بشكل واضح في غرفة الإخراج، فيما ستمر هي قبل خروجها لتضع النص بين الأشرطة.. كنت أشعر أحيانا أن بعض المستمعين العشاق يستخدمون البرنامج جسرا لبث رسائل مبطنة للمحبوب، وبعضهم لا يوفقون في الإهداءات، عندما يطلب مثلا أغنية فيها اللوعة والغرام والتهديد بالهجران وما شابه، ويهديها للوالد والوالدة!.

من ذكرياتي مع هذا البرنامج في الثمانينيات، إنني كنت مكلفًا به في أحد الأيام وحضرت قبل موعد البث لمراجعته، وسيقوم بإخراجه أو بتنفيذه فنيا الزميل (خالد عبد الرسول) رحمه الله. إلا أن المفاجأة غير السارة أننا وجدنا الأغاني ولم نجد النص!، وأخذنا نبحث عنه ولم نترك مكانا في الأستوديو، ولكن لم نعثر عليه، ومكتب التنسيق الذي تداوم فيه المعدّة مغلق، ولم نتمكن من التواصل مع المعدّة، ولم تظهر بعد الهواتف النقالة ولا النداء الآلي. فحسمت الأمر بأن أقوم بتأليف حلقة مبنية على الأشرطة الموجودة، فوضعت لكل أغنية أسماء من عندي وبعض معارفي وبعض الأسماء التي تعودنا تكرارها في البرنامج، وسألت زميلي خالد: هل تريد أن تهدي شيئا منها؟ فرد بالإيجاب، ولكن اسمه سيظهر كمنفذ، فقلت له لا عليك، سأتصرف، لأفاجئه على الهواء مستخدما لقبه الشبابي الذي نناديه به: طلبها خالد ....... ويهديها إلى أصدقائه في الوشل فلان وفلان مع باقة ورد عطرة. فزّ خالد من مكانه رافعا يديه ضاحكا وقلقا في الوقت نفسه، وكأنه يقول لي: ماذا فعلت؟ قد يحاسبوننا عليها..

لا عليك يا صديقي، يفترض أن يشكروننا؛ لأننا أنقذنا الموقف.