مأساة فلسطين سرديا وتاريخيا

01 يناير 2024
01 يناير 2024

سنفتتح مقالنا في العام الجديد بالكتابة عن الإنسان الفلسطيني المقهور في بلده، الذي يدفع دما لنيل حريته في سبيل العيش بكرامة كبقية سكان المعمورة المشمولين بالحماية والرعاية، فمنذ أيام اطّلعت على بعض الروايات الفلسطينية التي تتناول القهر الممارس بحق الفلسطينيين منذ الاستعمار البريطاني لفلسطين وحتى الإبادة الجارية حاليا على رؤوس الأشهاد في غزة، ومن أهم تلك الروايات رواية «تفصيل ثانوي» لعدنية شبلي الصادرة عن دار الآداب ببيروت عام 2017م، بعد ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية والألمانية وإلغاء حفل تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي (50 عاما) في معرض فرانكفورت للكتاب 2023م، وقبل أشهر صدرت رواية «قناع بلون السماء» للكاتب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي (41 عاما) الذي يكتب رواياته من داخل السجن الإسرائيلي، ويتم تهريبها إلى الخارج بطرق صعبة جدا. اللافت للنظر أن رواية «قناع بلون السماء» قد دخلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2024، وتحكي عن نور الفلسطيني المقيم في رام الله، الذي يجد بطاقة زرقاء في جيب معطف، تخوله للانتقال بين المناطق الفلسطينية المحتلة، ثم يلتحق ببعثة للتنقيب عن الآثار في النقب، ومن هنا تبدأ الرواية على لسان نور -الذي تحوَّل اسمه إلى أور- في وصف المكان الفلسطيني وتفاصيله. وبالعودة إلى البطاقة الزرقاء الإسرائيلية فقد ذكرتها الراوية (الباحثة الفلسطينية) في رواية «تفصيل ثانوي»: «حينها عرضت تلك الزميلة عليّ استعارة بطاقة هويّتها الزرقاء»، والهدف من الحصول على البطاقة الزرقاء اجتياز المعابر ونقاط تفتيش الجيش، وتسهيل البحث في أرشيف الجيش الصهيوني عن حادثة الاغتصاب في صحراء النقب التي وقعت في أغسطس 1949م، هكذا سرد الأدب إبادة الشعب الفلسطيني من النكبة إلى اللحظة الراهنة في غزة وبقية المناطق.

إن كان على الأدب أن يحتكم إلى الخيال في وصف العذاب الفلسطيني، فإن الكتابة البحثية والوثائق المعتمدة على أرقام وتفاصيل تثبت ما حدث، وهذا ما نجده في كتاب «التطهير العرقي في فلسطين» للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابه (70عاما) الذي سحبته دار النشر الفرنسية (فايارد) بعد شهر على ملحمة 7 أكتوبر، وهذا دليل آخر على النفاق الأوروبي فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير. يقول مؤلف الكتاب في كلمة الشكر والعرفان قبل مقدمة الكتاب: «هذا الكتاب ليس مكرسا رسميا لأحد، وقد كُتب أولا وقبل كل شيء من أجل الفلسطينيين، ضحايا التطهير العرقي في سنة 1948. وكثيرون منهم أصدقاء ورفاق، وكثيرون غيرهم أجهل أسماءهم، لكن منذ يوم عرفت عن النكبة رافقتني معاناتهم وفقدانهم وآمالهم. وعندما يعودون فقط سأشعر بأن هذا الفصل من النكبة بلغ أخيرا النهاية التي نرجوها، والتي من شأنها أن تتيح لنا جميعا العيش في سلام وانسجام في فلسطين». في مقدمة الكتاب يستشهد المؤلف بمقولة لدافيد بن غوريون (1886-1973) رئيس الوزراء الإسرائيلي مخاطبا اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية في يونيو 1938م يقول فيها: «أنا أؤيد الترحيل القسري، ولا أرى فيه شيئا غير أخلاقي». يقول المؤرخ الجريء أيضا: «لقد أصبح من المستحيل تقريبا، بعد الهولوكوست، إخفاء جرائم شنيعة ضد الإنسانية. والآن، في عالمنا المعاصر، الذي يشهد ثورة في مجال الاتصالات، وخصوصا مع تكاثر وسائط الإعلام الإلكترونية وانتشارها، لم يعد في الإمكان إنكار كوارث من صنع البشر، أو إخفاؤها عن أعين الرأي العام. مع ذلك، فإن هناك جريمة كهذه جرى محوها كليا تقريبا من الذاكرة العامة العالمية، وهي جريمة طرد الفلسطينيين من وطنهم في سنة 1948». في الفصل التاسع من الكتاب الذي يحتوي أيضا على اثني عشر فصلا، يسجل الكاتب حوادث الاغتصاب التي تعرضت لها النساء الفلسطينيات، ومنها الجريمة التي وقعت في 12 أغسطس 1949م في مرابطة كيبوتس نيريم القريب من بيت حانون على الطرف الشمالي من قطاع غزة، حيث اعتدى اثنان وعشرون جنديا على فتاة قبل قتلها، وهو ما نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 29 أكتوبر 2003م. وقد اعتمدت الروائية عدنية شبلي هذه الحادثة في سرد روايتها «تفصيل ثانوي».

في خاتمة الكتاب يقول بابه: «لا الفلسطينيون سينجون من اليهود ولا اليهود سينجون من الفلسطينيين، ولا أي طرف سينجو من نفسه، إذا لم يتم تعريف الأيديولوجيا التي لا تزال تحرك السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بصورة صحيحة. المشكلة مع إسرائيل لم تكن قط يهوديتها -اليهودية لها أوجه كثيرة، وكثير منها يوفر قاعدة متينة للسلام والتعايش- إنما المشكلة هي مع شخصيتها الصهيونية الإثنية. فالصهيونية لا تتوفر فيها هوامش التعددية نفسها الموجودة في اليهودية وعلى الأخص فيما يتعلق بالفلسطينيين».

نراهن على التضامن العالمي لأجل فلسطين وتعرف أحرار العالم على الظلم الذي وقع على الإنسان الفلسطيني، لعل وعسى يتم إقرار قانون دولي جديد يعيد الحقوق إلى أصحابها ويرفع عنهم الظلم.