لماذا؟
- يقف شرف الاعتذار على أطراف شفاهنا لا يبرح مكانه عندما نرتكب الأخطاء؛ أوليس من يأتونه هم الأقوياء، ومن يعرفون قيمته هم العقلاء، ومن يُقدِمون عليه دون تردد هم الواثقون من أنفسهم؟ لماذا إذًا لم نتمكن بعد من دحض فكرة أن الاعتذار هو شيمة الضعفاء؟!
- نُجيز لأنفسنا البحث عن مثالب الآخر؛ نفتش عن أخطائه، نكشف ستره، نتصيد هناته وسقطاته، نستمتع بفضح أسراره، نلوكها متلذذين، بينما نشتاط غضبًا، ويجن جنوننا، ونهرول بين ردهات المحاكم، لمقاضاة من نشتمّ أنه حاول الاعتداء على خصوصياتنا.
- نستعذب في جلساتنا غير البريئات استصغار خلق الله، نقدح في أصولهم، ننتقص من حضورهم، نتعالى على كل مُهمش ومن لا شأن له، نفاخر بما لم يكن لنا يد فيه، من مُكنة ووجاهة، نتناسى أنهم ممتحنون، وأننا نخوض مثلهم امتحانًا شاقًا وأن «العاقبة للمتقين».
- يُصر البعض على تذكير المُستفيق من غفلته بماضيه الذي يكره، كأن التوبة مُحرمة على من هو مثله، أو أن خط الرجعة لإنسان سها وزلت قدمه محظور، والتعثر أمام مغريات الدنيا ممنوع.
- يشتاق الإنسان أحيانًا إلى شخص أحبه لأجله، إلى ذكرى قسوته التي عانى وطأتها، وأسرِه الذي هرب من قبضته. يشُده الحنين إلى أيامه الدافئات المُشبعة بالصدق والغيرة، يتمنى عودته ليبث الحياة في روحه المُرهقة، وهو غارق وسط عالم موبوء يموج بالمرائين والمنافقين والانتهازيين.
- ندين بلا رحمة كل من ارتبط بعلاقة حُب سامية، وكأنه أتى جُرمًا فاحشًا، ندينه ونحن متيقنون أن هذه الوشيجة هي السبيل الأكثر موثوقية لتأسيس حياة قابلة للحياة، وأن ارتباطًا ركيزته الأساسية الحُب لا تعصف به الريح، وعلاقة تعوزها أرضية صلبة من المودة والرحمة مصيرها الاضمحلال والتشظي والانهيار.
النقطة الأخيرة..
لا يكسر زهو الإنسان وتنطُعِه إلا الملمّات، لا يُعيده إلى حقيقته إلا تحولات الزمن والنكبات، وانقلاب الأحوال.
