كرموا الخبز

04 ديسمبر 2021
04 ديسمبر 2021

ليس من باب الصدفة أن يكون رد الزائر الذي أتى من الولاية بعد طول غياب أنه متوقف حاليًا عن أكل الخبز ولم أكن متفاجئا من مبرراته التي ساقها مُدللًا على أن الخبز هو السُمُ الزُعاف والمسؤول الأول والأخير عن أمراض العصر ما ظهر منها وما بطن وأنه القاتل الخفي لعدد لا يُحصى من البشر على وجه الكرة الأرضية وأنه وأنه ...

سألته بعد أن فرغ من هجومه الشرس على الخبز وتحميله مسؤولية الخراب الصحي في العالم بأسره: كأنك شاهدت الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم مؤخرًا على الهواتف المحمولة حول مسؤولية الخبز المحلي «البُر» عن ارتفاع السكر في الدم ؟ قال: نعم وما جاء فيه مقنع جدًا ومنطقي بل أن وزني بدأ يتناقص بصورة ملحوظة منذ أن امتنعت عن تناول الخبز بكل أنواعه. بادرته بسؤال آخر: هل أنت مصاب بداء السكري أو لديك زيادة مفرطة في الوزن؟ وكان رده: لا.

قلت له: إنه جاء عن لسان أم المؤمنين عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: دخل علي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- البيت فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال: «يا عائشة أحسني جوار نعم الله، فإنها قلّ ما نفرت عن أهل بيت فكادت ترجع إليهم».

وعن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سرورًا أو تقضي عنه دينًا أو تطعمه خبزًا».

كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «أكرموا الخبز».

وجاء في إنجيل لوقا 9: 16 - 17

راويًا عن نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام: «فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين، ورفع نظره نحو السماء وباركهن، ثم كسر وأعطى التلاميذ ليقدموا للجمع. فأكلوا وشبعوا جميعًا. ثم رفع من فضل عنهم من الكِسرِ اثنتا عشرة قُفّةً».

بذلت جهدي خلال الحوار مع الزائر خفيف الظل لأُمسك بالعصا من المنتصف إذ اتفقت معه أن للخبز مضار متعددة بلا شك كون الجسم يحيلهُ إلى سكر لكن هذا ينطبق كذلك على الفواكه والأرز ونوعيات لا حصر لها من الأطعمة والمشروبات لكن في الوقت نفسه يظل جسم الإنسان بحاجة للطاقة والسكر هو العنصر المسؤول عن توفيرها ليكون قادرًا على إنجاز مختلف الأعمال المناطة به ذكّرته كذلك بأن الخبز يحتوي على العديد من المعادن كالحديد والفيتامينات المهمة كفيتامين «ب» وحمض الفوليك والحديد والبوتاسيوم كما أنه يوفر الألياف التي تسهل حركة الأمعاء وتطرد السموم وهذا يدلل على الإنسان بحاجة ماسة إلى الخبز وبفقدانه يفقد عناصر مهمة تدعم صحته.

بينت له أن المشكلة ليست في الخبز في حد ذاته ولكن في كيفية الإفادة منه واختيار أنواعه وفي طريقه تصنيعه بل في «الإفراط» في تناوله في ظل غياب الجهد البدني والرياضة والنوم المبكر والوعي بالكوارث التي قد ترتبط بتزايد الضغوطات النفسية ٠

والإفراط هو مصطلح شامل وعام يفيد الإكثار وتجاوز الحد والمبالغة في استخدام الشيء حتى الوصول إلى مرحلة الضرر وهو ينطبق على أي شيء.. كما أنه يعنى الاستخدام الخاطئ وغير المقنن لكل ما هو متاح أمامنا وينطبق ذلك على كل طعام أو شراب أو ممارسة أو سلوك.

لقد كان الخبز ولم يزل هو العنصر الذي قامت عليه الحياة في كل الحضارات منذ أن خلق الله الأرض وما عليها فلم يخلُ أي كتاب سماوي أو تاريخي أو رواية من ذكره باعتبار أن أي غذاء دونه إنما هو ترف يمكن الاستغناء عنه فبتوفر كسرة الخبز تستمر الحياة وبانعدامها تكون قد شارفت على النهاية ولهذا يُقال للتعبير عن تردي الأحوال والعوز والمسغبة «تعذرت عليه حتى كسرة الخبز».

الخبز هو الحياة ووقودها وأي محاولة للاستغناء عنه أو إبعاده دون أي مبرر طبي لا معنى لها حتى أن الإقدام على ذلك من باب طلب النحافة والرشاقة جلب للكثيرين حالة من الكآبة كونه رفيق كل الأغذية والذي يعطي لها معناها وطعمها وأكثر من ذلك بكثير.