قواعد اشتباك..

23 فبراير 2024
23 فبراير 2024

يحضر الفهم هنا، إلى مجموعة من التقاطعات التي تحصل، سواء بين الفرد والفرد، أو بين الفرد وذاته، أو بين الفرد والمجموعة التي ينتمي إليها، قد يصنفها البعض على أنها نقاط تصادم، وقد يكون هذا التصادم ماديا، أو فكريا، وقد يكون ذا ديمومة معينة، أو لحظويا لظرف استثنائي، وفي كل أحواله هو صدام بين طرفين، بمعنى آخر أنه قواعد اشتباك ملتهبة، وبما أنها بهذا المعنى، فبلا شك، سيكون هناك فائز، وهناك خاسر، ولا يستبعد أن يكون هناك ظالم، وهناك مظلوم، فالعدالة المطلقة في الفهم البشري، هي نوع من الخرافة، إلا وفق تشريع أمين وصادق، ليس فيه محاباة طرف على حساب طرف آخر.

ولماذا الاشتباك من الأساس؟ فالاشتباك -كقاعدة- هو خارج عن السياق الأخلاقي الذاهب إلى لا اشتباك، وإن صنف على أنه من الفطرة، أليس كذلك؟ هناك من يذهب إلى تجذر العاطفة والمشاعر في زج أنفيهما فيما يسمى بـ«العلاقات» والعلاقات، كما هو معروف أيضا، من أعقد المفاهيم القائمة بين البشر أنفسهم، والسبب: إن هذه العلاقات واقعة تحت فخ التجيير، كل يجيرها لما تملأ له رغبته، بغض النظر إن كان هذا التجيير يضر بمصالح الآخرين من حوله، إذن، ووفق هذه الصورة المترهلة للعلاقات، فما الحل الأمثل للخروج من قاعدة الاشتباك هذه؟ والسؤال الآخر: هل قدر على الإنسان أن يعيش حالة اشتباك دائمة، ما أن يخرج من حالة اشتباك واحدة إلا والأخرى قادمة، وعلى من؟ ومع من؟ هذا ما تنبئ عنه قواعد الاشتباك في كل مناسبة.

في بيئات العمل المختلفة تتوسع دائرة العلاقات، كزملاء عمل، ولعل بيئات العمل تعد أكبر محضن، ليس فقط لتشابك الزمالات، وليس فقط لنمو المهن، وليس فقط لتضارب المصالح الخاصة، وليس فقط لوجود فرص كثيرة للمقارنات -حيث البيئات الاجتماعية المتنوعة- وإنما أيضا لظهور النتوءات، ولظهور التشوهات، ولظهور «غض الطرف إنك من نمير...» ولظهور الصراخ في بعض المواقف، ولظهور الألم الصامت في مواقف أخرى، ولذلك فاشتداد قواعد الاشتباك قائم وبقوة كل هذه التقاطعات، والتمايزات، حيث تشتد صرخات العواطف مجتمعة، ومع ذلك ينظر إلى هذا الواقع على أنه ظاهرة صحية، وبخلاف ذلك، فالأمر يحتاج إلى شيء من التأمل، ينظر إلى الأسرة على أنها الحامية الحانية، الآمنة الوادعة، الباسمة المبتسمة، ينزوي فيها العقل «خجلا» بعيدا بعيدا «في العائلة يختفي العقل خلف الشعور والعاطفة» -كما يقول جون إهر نبرغ في كتابه المجتمع المدني حيث تتموضع العواطف والمشاعر، وألوان الحب، وتزداد مجسات النبض، فالقلب في أوج احتضاناته، ولكن، ومع تجمع كل هذه «البانوراما» العاطفية، تقحم الذات تجاذباتها الذاهبة إلى إشباع رغباتها، وفي لحظة زمنية، قد تكون فارقة، فتؤجج قواعد الاشتباك بين الأطراف التي كانت متصالحة، ويطرح السؤال المباشر الصادم: أيعقل أن يحدث هذا، وهؤلاء يشكلون ملحمة اجتماعية لا يمكن اختراق تماسكاتها؟

ما يمكن التأكيد عليه هو أن قواعد الاشتباك هي سنن كون بشرية لا تحتاج إلى كثير من الجهد لإثارتها وإقحامها في خطوط عرض وطول، ومع الإيمان بالتسليم لهذا الموضوع، ألا يمكن للعقلاء عدم إثارتها؟ ألا يمكن أن يكون هناك نوع من المهادنة بين طرفي النزاع؟ مع أن هناك من يرى ثمرة أي اختلاف هو اتفاق، وأن من فوائد قواعد الاشتباك هو تراكم مجموعة من الاتفاقات المفضية إلى نوع من الرضا والاطمئنان، هل يمكن الاتفاق على هذه النتيجة؟