«في التاكسي»

16 أغسطس 2025
16 أغسطس 2025

تواعدت والشاب الذي سيبيعني السيارة «الوارد» على اللقاء في مكان سُوًى -وهو ولاية إزكي-؛ فنحن بذلك نقتسم عبء المسافة بين ولاية بهلا التي يسكنها، والمعبيلة الجنوبية حيث أُقيم، فلا ظالم ولا مظلوم.

اكتريت سيارة تاكسي من «برج الصحوة». كنت أنا الراكب الوحيد الثابت فيها، فيما ينزل أشخاص ويركب آخرون بين كل وقفة وأخرى هم في الغالب من الوافدين. سائق التاكسي مِهذار مُتذمر «ما يدخل لسانه حلقه»؛ يقفز بين موضوعات لا رابط بينها، كثير الانتقاد، جدير بأن يشحن أي راكب بطاقة سلبية لا مثيل لها.

اتفقت معه على مبلغ أخذي إلى إزكي على أن نصل في الخامسة عصرًا إلى المكان المحدد. انطلق التاكسي «القبيب» وعليه أربعة أشخاص. وما هي إلا خمس دقائق، وتوقف بلا مقدمات؛ لشحن راكب خامس لا أدري أين سيكون مكانه، لكنه ركب كيفما اتفق، وانطلق يشق طريقه في الشارع الفاخر الجديد الذي يبدأ من «الرسيل»، وينتهي بولاية «بدبد».

تحوم في مقصورة التاكسي رائحة عطنة؛ بسبب تعرق الأجساد مختلِطة برطوبة الصيف العالية، وبخر الأفواه الذي يندفع عفنًا؛ بفعل تناول بعض راكبيه للـ«التومباك». سألني الرجل: هل ترى أن أوقف دوران التكييف؟ «مصننين الله يصرفهم ما يتسبحوا، ولا يبدلوا ملابسهم». قلت له: «أُفضِلُ ذلك؛ فأنا أكاد أن أختنق، ويُغشى عليّ».

أنزل نوافذ الزجاج، فاندلق الهواء الحار الرطب من الخارج مُبددًا تلك الكتمة الخانقة باعثًا ضجيجًا عاليًا، فاضطُر الرجل إلى رفع صوته مفتتحًا «لعيانه» بنية جيش الاحتلال الإسرائيلي اجتياح قطاع غزة كاملًا، وموقف بلادنا المشرف من القضية الفلسطينية، وشجاعة أبينا سماحة الشيخ المفتي العام لسلطنة عُمان في إيصال كلمة الحق، والخذلان العربي غير المبرر. ثم عرج على هموم محلية افتتحها بارتفاع الأسعار، وضعف القوة الشرائية، وملف التوظيف معتبرًا أنه التحدي الأكبر الذي يجب أن يُحل.

أرسل عطسة عابرة حط رذاذها على وجهي، وتابع: «لو يسرحوا هاذيلا الأجانب بو ماسكين الوظايف لكبيرة يسويوا فينا خير». سألني: «شورك أيرجعوهن مال الأمان الوظيفي؟ بعدها انتقل إلى الرياضة مُحلِلا حظوظ منتخبنا الوطني القادمة في التصفيات النهائية الحاسمة لكأس العالم مُحتجًا بشِدة على خطوة الاستغناء عن المدرب الوطني رشيد جابر، واستقدام المدرب «كيروش» مستعرضًا محطاته غير الموفقة مُختتمًا: «لو كان صقر أيصقر في داره».

وصلنا إزكي. وكان الاتفاق بيني وبين بائع السيارة أن نلتقي عند مطعم «العالم العربي». أصر الرجل أن ندخل المطعم، وأتناول معه وجبته المفضلة «لحم ناشف». حاولت أن أعتذر له عن ذلك؛ بداعي أنني مستعجل، وأتجنب ارتياد المطاعم، لكن رده كان سريعًا: «ما أيقتلكم غير هذا الوسواس». أكلنا سويًا، ولما ودعته كان البائع قد وصل بالسيارة «الكامري» البيضاء الوارد التي أغرتني مواصفاتها في الإعلان.

وصلت السيارة «الكامري» الحشومة «حبيبة الفقراء». وما أن جلست على المقود حتى تذكرت السيارة الأولى بحياتي التي اقتنيتها في التسعينيات بنظام التقسيط، لكنني عاجز الآن عن تكرار تلك التجربة؛ بسبب ضعف عائدي المادي، وجنون الأسعار. سلمني الشاب المفتاح على أن أقوم بفحصها في الصناعية القريبة من بيتي. قفلتُ عائدًا إلى المعبيلة الثامنة ـ حلبان.

النقطة الأخيرة..

اقترب فقط؛ سترى بوضوح، وتدرك أنك لا تعرف شيئا!

عُمر العبري كاتب عُماني