شفافية :أسعار الخدمات الحكومية للمشروعات الكبرى واستقطاب الاستثمارات

30 يناير 2024
30 يناير 2024

[email protected]

تعد قضية أسعار الخدمات الحكومية المقدمة للمشروعات الاستثمارية الكبرى هي القضية الأبرز في مجال استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الاستثمارات المحلية على النمو، وكثيرا ما يحدد المستثمرون وجهاتهم الاستثمارية بناء على أسعار الخدمات الحكومية كالغاز والكهرباء على سبيل المثال، وكما يعلم الجميع توجد في الوقت الراهن منافسة شديدة على استقطاب الاستثمارات وتقديم كل التسهيلات والحوافز والامتيازات الممكنة، ومع أن الجهات المختصة قد قامت خلال الفترة الماضية بمراجعة أسعار الرسوم والخدمات الحكومية المقدمة للمستثمرين إلا أننا نتطلع إلى أن تحظى مسألة تخفيض أسعار الغاز والكهرباء للمشروعات الاستثمارية الكبرى باهتمام أكبر خاصة أن تكلفة هذه الخدمات هي التي تحدد- في الغالب- توجهات الشركات الكبرى بشأن الاستثمار في هذه الدولة أو تلك.

نحن نعلم أن سلطنة عُمان تتمتع بالكثير من المزايا وتقدم المناطق الاقتصادية والحرة والصناعية ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار الكثير من التسهيلات لاستقطاب الاستثمارات وتناقش مع المستثمرين التحديات التي تواجههم، إلا أن مسألة مراجعة أسعار خدمات الكهرباء والغاز تعتبر مسألة مهمة إذا رغبنا في مضاعفة الاستثمارات الأجنبية لدينا وتوطين الكثير من المشروعات المحلية.

وخلال لقاءات صحفية أجريتها مع بعض المستثمرين كانت أسعار الغاز والكهرباء هي التي تشغلهم كثيرا، وكما نعلم فإن المشروعات الكبرى إما أن تعتمد على الغاز الطبيعي أو على الكهرباء، وإذا كانت التكلفة مرتفعة فإن هذا سوف ينعكس على أسعار منتجاتها سواء تلك التي يتم تسويقها في السوق المحلية أو التي يتم تصديرها إلى الخارج، وبالتالي تكون التكلفة أعلى والأسعار غير منافسة وهو ما يحدّ من قدرات هذه الشركات على الابتكار في منتجاتها والإنفاق على الجوانب الأخرى ذات العلاقة بالتسويق، كما أن الشركات الأجنبية الكبرى سوف تبحث- دون أدنى شك- عن مناطق أخرى للاستثمار فيها إذا وجدت أسعارا تنافسية.

قد يسأل سائلٌ: لماذا لا نبيع الغاز للصناعات التي تقام في البلاد بسعر مرتفع لكي نحقق عائدا جيدا للميزانية العامة؟، وللإجابة على هذا السؤال علينا أن نعرف أولا أن استقطاب الاستثمارات يكون من خلال تقديم مزايا عديدة ومن بينها توفير الغاز والكهرباء بأسعار مشجعة للمستثمرين، فالهدف من أي استثمار ليس بيع الغاز أو الكهرباء أو الخدمات الحكومية الأخرى وإنما تنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة، فأي استثمار يتم استقطابه يعني في المقام الأول توفير مزيد من فرص العمل أمام الشباب العُماني، وتنشيط الحركة الاقتصادية في مختلف القطاعات خاصة تجارة التجزئة والمقاولات والنقل والمطاعم والأغذية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والعديد من القطاعات الأخرى، بالإضافة إلى رسوم الخدمات والضرائب وحقوق الانتفاع وغيرها من الالتزامات المالية التي ستنعكس إيجابا على المالية العامة، وعلى هذا فإن علينا عندما نرغب في استقطاب أي استثمار أن ندرس انعكاساته الإيجابية على الاقتصاد الوطني في المقام الأول.

وكما نعلم فإنه لا يمكن للاقتصاد الوطني أن يوفر المزيد من فرص العمل أمام الشباب إذا ظل عدد الشركات على ما هو عليه وسوف يزداد الضغط على التوظيف في القطاع الحكومي في الوقت الذي لا نجد فيه شركات كبرى قادرة على مواكبة طموحات الشباب واحتضان أفكارهم وإبداعاتهم، وفي نظرنا أن تقديم الخدمات الحكومية بأسعار مناسبة هو الأمر الذي ينبغي التركيز عليه، فأي مصنع جديد سوف يُسهم في توفير فرص عمل جديدة، كما سيتيح المجال لرفع القيمة المحلية المضافة، وعلينا عندما نقوم بتسعير الخدمات الحكومية ألا ننظر إلى العائد المادي للطاقة التي يتم توفيرها للمصانع وإنما النظر إلى ما سيحدثه الاستثمار الجديد من تنمية وحراك اقتصادي وزيادة تنافسيتنا وموقفنا التفاوضي مع الشركات العالمية.