ستة أيام..

14 فبراير 2024
14 فبراير 2024

ها قد انقضى عام كلمح البصر، عشنا فيه تجارب كثيرة متعددة، بعضها خضناه برغبتنا وإرادتنا، والآخر كان لزامًا علينا أن نعيشه ولم نكن نرغب فيه أو نختاره، وحرب الإبادة بحق أخوتنا الفلسطينيين مثال على ذلك. عام أعتقد أنه مثَّل صدمة كبيرة لكثير من المؤمنين بالتفوق الأخلاقي الغربي الناتج والمنبثق من تفوقه العلمي، ولكن قد أضاء الصبح لذي عينين وصار جليا البون الشاسع بين الحضارتين، الإسلامية العربية والاستعمارية الغربية في النظر والتعامل مع الإنسان والحيوان والجماد وقت التفوق العلمي والعسكري، وغدت المنفعة هي الرب الذي يصبو إليه الإنسان ذو الفكر الغربي، أما الروحانية الشرقية فصارت متحفا جيدا للتأمل والضحك على الإنسان من حيث كونه إنسانا بفطرته السليمة وقدسيته الممنوحة له من الله نفسه، حيث جعله خليفته في أرضه.

لا شك بأن الإنسان يتأثر بما يحدث له في الحياة، وسواء كانت تلك الأحداث اختيارية أم مفروضة عليه، فإن القراءة باعتبارها أحد أهم مصادر المعرفة تظل حاضرة وبقوة في حياة كل إنسان. فالذي يريد أن يبدأ مشروعه التجاري الجديد ولم تكن له خبرة في إدارة المشاريع فإن أول ما يقوم به هو القراءة والاطلاع في هذا المجال، والذي يريد النبوغ في تخصصه الأصلي أو الفرعي فالقراءة هي السبيل الأول لنيل مبتغاه، والذي يعيش الأحداث الجسيمة ويتساءل عن مبدئها وأصلها وعلتها، كقضية فلسطين واحتلالها من الصهاينة والفرق بين المصطلحات وأهمية تلك الفروقات في الحياة الواقعية وعلى المدى البعيد؛ فلا سبيل له إلى ذلك كله إلا عبر القراءة فالقراءة ثم القراءة.

يأتي معرض مسقط الدولي للكتاب والذي يفتتح أبوابه بعد ستة أيام، تحديدا يوم 21 فبراير 2024 حتى 2 مارس 2024، في فترة حرجة تمر بها المنطقة العربية خاصة والعالم أجمع. ولا شك أن جزءا كبيرا من الكتب التي سيبتاعها القراء من المعرض ستكون حول القضية المفصلية التي تشغل بال كل قارئ على حدة، والقضية الأم التي تشغل بال المجتمع بأسره اليوم ستكون حاضرة بلا شك ضمن هذه القراءات وهي القضية الفلسطينية؛ ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل ستكون كل الكتب المكتوبة عن فلسطين كتبا مهمة ومفيدة؟ وهل ستكون هذه الكتب موضوعية وتسهم في وعينا بما يخدم أوطاننا والقضية الإنسانية العادلة؟ قطعا لا؛ هناك من ينظر إلى كل شيء نظرة نفعية خالصة، وهناك من يدس السم بالعسل.

فالذي يرى النفع هدفا وغاية في ذاته، لا يرى بأن عليه التحري وأخذ الأحسن في المجال الذي يطبع وينشر فيه الكتب؛ فتصبح مطبوعاته هي ما يشغل الناس في فترة ما، أو لنقل بأنه يطبع «حديث الساعة» ليجني ما يمكن جنيه في فترة القبول والطلب من الناس، فيطبع ويبيع الغث والسمين من الكتب. والذي يدس السم في العسل، يرى في ذلك فرصة لزرع بذور فاسدة في عقل الشعوب المراد قهرها، وليس هذا من قبيل حديث المؤامرة، وإنما هو واقع يدركه من يقرأ التاريخ والحاضر بتحولاته السياسية والاقتصادية الكبرى. وهنا بالذات تكمن أهمية المثقف كجرَّاح يشرّح الثقافة ويستأصل منها الضار ببلده ووطنه وعقيدته، ويقدم للناس النافع المفيد. والذي يقرأ أحداث حرب الإبادة في غزة وما حولها اليوم، يرى ما ذكرته واقعا. قبل عدة أيام نشر موقعا الجزيرة والـ BBC مقالا بعنوان «إدانة منتقدي إسرائيل باعتبارهم معادين للسامية تحريف للتاريخ» وأقتبس من الـ BBC «يتناول الكاتب في مقاله ما يواجهه اليهود الذين يتجرأون على انتقاد إسرائيل وممارساتها ضد الفلسطينيين، حيث يوصفون دائمًا بأنهم متنصلون من يهوديتهم بل وأحيانًا كارهون ليهوديتهم وبأنهم معادون للسامية مع أنهم يهود». إن هذا الفعل المشوه للحقائق هو سبيل كل سلطة تسعى لتوطيد أساسات بقائها لأطول فترة ممكنة، فتكرار الكذبة وإبرازها كالوجه الأوحد للحقيقة؛ ينشئ جيلا متأثرا بالمُستعمِر خانعا له، وتغدو الكذبة حقيقة مع مرور الزمن!. فيغدو الثائر على الاستعمار المنافح عن أرضه وأهله ووطنه إرهابيا مخربا! وشيئا فشيئا يصبح المواطن الجيد هو المواطن الذي يحتمي بحمى الاستعمار ويمكِّن له.

من فضل الله علينا أنا ولدنا عمانيين، وهذه التربة التي كانت عصية على الدولة الأموية والعباسية وطردت المستعمر البرتغالي يوما ما، تعرف ألاعيب المستعمرين وحبائلهم؛ ولأنها كذلك بالذات ينبغي على أهلها أن يبنوا على ما بناه آباؤهم من عز ورفعة ومقاومة للظلم والطغيان. وبما إن الإنسان يبدأ بالأهم قبل المهم؛ فإن القراءة عن الشيء وقت حدوثه يتيح له تمحيص الحقائق بمقارنتها مع الواقع، والقراءة للدكتور عبدالوهاب المسيري وإدوارد سعيد ونعوم تشومسكي اليوم تعد ضرورة ماسة، فمن الأفضل أن تعرف عدوك وهو في الطريق قبل معرفته وهو يخلع باب المنزل! والصهيونية عقيدة استعمارية لا تعرف حدودا ولا حُرمة ولا قيودا، فلنواجهها بالمعرفة والفعل، ومعرض مسقط الدولي للكتاب فرصة لبداية الطريق.