حكاية راشد بن خميس
كان ذلك في عام 1999م/2000م عندما قرر الشاب النحيل الذهاب إلى مسقط للبحث عن وظيفة رغم حداثة سنه والمصاعب الجّمة التي كانت تعترض طريقه وأبرزها مؤهله الدراسي والعيش في مجتمع المدينة المفتوح والمُعقد وظروفه الاجتماعية المتداخلة .
كانت الساعة تشير إلى الثانية فجراً عندما فُتح باب السكن الذي استأجره مجموعة من شباب الولاية في "وادي عدي" وعندما دلف إلى الداخل الشاب "راشد بن خميس" الذي بدا مُرهقاً وهو يرتدي لباس العمل الخاص بشركة "كنتاكي" الأمريكية الشهيرة للوجبات السريعة القميص بلونه الأحمر والبنطال الأسود .
خلع الشاب حذاء العمل وتوجه إلى المجلس القريب جداً من الباب الرئيسي حيث أحد الشبان الباحثين عن عمل يتابع فيلماً أجنبياً وهناك دار حوار بين الشابين حول ظروفهما الاجتماعية والطريقة الأسرع للحصول على وظيفة، وكيف تمّكن من الحصول على وظيفة موصِل طلبات في شركة "كنتاكي" العملاقة بمسقط حيث لا معارف كُثر له ولا إمكانات تساعده على الاستمرار في وظيفة تحتاج إلى صبر طويل وتضحيات حقيقية .
"راتبي كاملًا 120 ريالاً ولا أملك سيارة خاصة إنما أتنقل بسيارات التاكسي العمومي أو الميكروباص وهي متوفرة، إمكاناتي محدودة جداً وهذا يحتِمُ علي العيش بطريقة معينة تعتمد على التوفير، لا أجد غضاضة في أن أقلل من عدد الوجبات لأن الشركة تمنحني وجبة العشاء وأنا سعيدُ بذلك، تبدو الظروف صعبة الآن لكن الجلوس في المنزل بلا عمل غاية في الصعوبة ويبعث على الكمد".
ويواصل "رشدي" وابتسامة ارتياح تبدو على قسمات وجهه: "والدي على قيد الحياة لكنني رجل قادر على العمل رغم صغر سني والرجل لا يطلب من والده إنما يصنع أحلامه لتوفر له هي ما يحتاجه".
مضت الأيام سِراعاً وراشد بن خميس يزداد إيماناً بنفسه وقدراته وإمكاناته .. بدأ يصعد السُلّم درجة درجة يتطور بصورة مُلفتة أتاحت له لاحقاً تغيير وظيفته داخل الشركة ثم الانتقال إلى شركات أخرى بعروض وميزات أفضل .
الأُسبوع الفائت تذكرت راشد بن خميس وقصة كفاحه التي ما زالت متواصلة بحثت عن رقمه في قائمة الأسماء وجاءني صوته كما عرفته دائماً يضج بالأمل والتفاؤل والرغبة الحقيقة في المضي نحو الأفضل.
"أنا الآن في ولاية الدُقم منذ ثلاثة أشهر، كُلفت بإدارة فرع ثالث من فروع شركة "برزمان" لتوزيع المياه، إنها تجربة جديدة ورائعة في مكانٍ من بلادي سيكون يوماً ما قلب العالم ورئته، المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدُقم هي مستقبل سلطنة عُمان فهُنا تتواجد كُبريات شركات العالم بتخصصاتها المختلفة للاستثمار في مجالات تدعم حركة الاقتصاد المحلي والتنمية".
قلت له بمحبة : هل تتذكر "اللبنة" التي كنت تحتفظ بها لإفطار اليوم التالي في الثلاجة وما زاد عن حاجتك من "الفول المدمس" عندما تقّسمُ العلبة لإفطار يومين؟ ضحك "راشد" من كل قلبه ومضى يقول "كانت أيام رائعة فبقدر ما كنت أُعاني بسبب قلة الراتب وما فرضته علي صعوبات بقدر ما تعلمت من ذلك ومن الحياة".
"أشغل حالياً وظيفة نائب مدير للمبيعات في الشركة وكنت في عام 2009م قد استفدت من برنامج "سند" الذي أتاحته الحكومة للمستثمرين الشباب فأقمت مشروعاً خاصاً وقد انتقلت لاحقاً من شركة "كنتاكي" إلى شركة في دولة مجاورة بميزات جيدة، ثم انضممت بعدها إلى شركة "سلطان" ثم قُدم لي عرضُ أفضل في شركة "برزمان" التي ما زلت أعمل بها وأحظى فيها بتقدير وافر من قِبل مسؤوليها والموظفين".
"الشركة الحالية شركة رائدة منحتني سيارة وهاتفاً ومكاناً للسكن وميزات أُخرى وقد تلقيت في الأسابيع القليلة الماضية عرضين للعمل في شركتين من شركات القطاع الخاص براتب مجزٍ وميزات تستحق الاهتمام "لكنني الآن هُنا .. أنا ابن برزمان".
"ما ينقص شباب اليوم؟ الصبر والقناعة والإيمان بالنفس وإثبات الذات عبر الإخلاص للعمل وللمؤسسة التي منحته ثقتها وتغيير المفاهيم التي لا مكان لها اليوم في عالم يتجه نحو الخصخصة وريادة القطاع الخاص .. في القطاع الخاص لا حدود للأحلام ولا للترقيات ولا للحوافز والإنتاج والإخلاص وحدهما من يحدد ذلك".
ويستطرد راشد حديثه: "ما مبرر شاب يجلس في البيت منتظرًا الوظيفة لخمس سنوات بحجة أنه لم يحصل على فرصة عمل تعادل مؤهله؟ لماذا لا يبدأ العمل في وظيفة ولو بأجر أقل من طموحاته حتى يعثر على أخرى أكثر أجراً مستقبلاً ليوفر بذلك المال والخبرة؟ أليس وارداً أن تعجبه الوظيفة ويحقق من خلالها كل طموحاته إذا أخلص لها؟" حسب معلوماتي أن كثيراً من الناجحين ومشاهير التجار كانوا بلا مؤهلات وكانوا يعملون في وظائف بسيطة بشركات يملكها غيرهم لكنهم رسموا خطهم الخاص بهم ونجحوا نجاحاً مبهراً ومن هؤلاء "لاري اليسون" الذي تقدر ثروته بـ40.6 مليار دولار أمريكي وكان يتنقل في وظائف صغيرة و"لي كا شينغ" الذي يمتلك ثروة تصل إلى 34.2 مليار دولار أمريكي و"فرانسو بينو" الذي يمتلك ثروة بلغت 22.2 مليار دولار أمريكي رغم أنه نشأ في بيتٍ للأيتام وعمِل في وظائف متواضعة .
بعد مكالمة تواصلت على مدى 32 دقيقة قال راشد خميس إنه سيستقر قريباً بفرع الشركة في ولاية بهلا وأن أحلامه ستواصل النمو .. أقفل السماعة بعد أن اتفقنا على لقاء قريب.
