الوعي وحدود المعرفة

25 أغسطس 2025
نوافذ
25 أغسطس 2025

أصبحت معضلة المجتمعات العربية بالذات في الوقت الراهن هي مسألة الوعي الذي يوصف بالوعي المجتمعي، خاصة لدى شعوب الخليج العربية التي بحكم سماتها تميل إلى الثقة العاطفية للظواهر الحديثة من الحيل المتقنة بالإبهار دون التحقق منها، الأمر الذي ينعكس على وجود حالات مجتمعية تقع ضحية لعمليات الترويج الإلكتروني، لتضع فيها كل ما تملك من مدخراتٍ بغية الحصول على عوائد مغرية تؤمن من خلالها مستقبلا أفضل، ليجد الفرد نفسه بين يوم وليلة لا يملك قوت يومه بعد رحلة الادخار التي وظفت في غير مكانها. 

حيل الإبهار لا تتوقف عن تنوعها واستمرارية طرحها في هذه المجتمعات المستهدفة بهدف جمع الأموال بحيل متعددة، وهذا ما يلاحظ من خلال اتباع أنماط من التزوير والاحتيال بدءًا من البطاقة البنكية التي تشتري بها احتياجاتك اليومية، واستخدام ما يسمى «الباركود»، والاتصالات الهاتفية الصوتية والمرئية منها، وانتحال لباس الشرطة في المكالمات المصورة، وبعضها بلغ به الأمر إلى اختراق شبكات الخدمات لمؤسسات رسمية كخدمة الاتصالات والكهرباء والماء والشركات الخاصة المعروفة؛ حيث تصلك رسائل منها دون علم هذه المؤسسات ما يضفي عليها المصداقية، والتواصل مع الأفراد للاستثمار في أسواق الأسهم العالمية، والجمعيات الوهمية، وحيل المشروعات غير الحقيقية، وكذا في تنظيم رحلات السفر والإجازات، والاشتراك في حجوزات الفنادق والمنتجعات العالمية، وكذلك أجهزة سحب المبالغ من بطاقات الائتمان التي في جيبك بمجرد تمرير آلات الصرف عليها ليتم تصفيرها، وأيضا عبر القرصنة والوصول إلى الحسابات، ناهيك بما يحدث أيضا من تلاعب في بعض أسواق البيع التجارية من اختلاف أسعار السلع بين الرف والمحاسب، والتسوق عبر الشبكة الإلكترونية التي أصبحت أجزاء منها مساحة للنصب. وتطور الأمر إلى تحويل أملاكك إلى أشخاص آخرين من خلال الوثائق المزورة. وقد خدمت التقنية الحديثة المحتالين بشكل كبير منذ مطلع الألفية. 

كل هذا يحدث؛ نظرًا لعدم تحصين الفرد نفسه من هذه الحوادث المتعددة، ويعتقد بحسن نية أو قلة وعي ومعرفة أنه لن يقع في مثل هذه الحيل والسرقات، وأن أملاكه مؤمّنة. ويساعد تساهل أفراد المجتمع على إعطاء بياناتهم الشخصية دون التحقق من الجهات التي يعملون تحت مظلتها كالبطاقة الشخصية، والرقم السري الموجود خلف البطاقة البنكية في التعاملات مع بعض الأفراد والمحلات؛ حيث تصور من بطاقة سحب المبالغ. 

المجتمع يحتاج إلى جرعات من الوعي؛ لأن التحديات كبيرة أمامه خاصة خلال الفترة القادمة، وهذا الوعي لا بد أن يكون مرتكزًا على المعرفة التامة بما يدور حوله، وافتراض سوء النية في كل معاملة تجارية حتى إلكترونية لغير الجهات المعروفة والمعتمدة حتى يثبت العكس، والتخلي عن عدم المبالاة في صغائر هذه التعاملات؛ لأن اصطيادك في معلوماتك يحولك إلى إنسان لا تملك شيئا بعد سنوات شقاء العمر التي جمعت فيها بعضا من مدخراتك وأملاكك. والتجارب ماثلة أمامنا بشكل يومي؛ فالوعي والمعرفة بكل خطوة تنفذها أصبحت ضرورة، كما أن الاحتكام إلى المنطق في مسألة الأرباح المضللة التي تغرى بها حصنك من الوقوع في التهلكة؛ فالمعرفة والاستيضاح والتحقق والضمانات قبل أي عملية تقوم بها تجعلك في مأمن من الطامعين. 

سالم الجهوري كاتب صحفـي عُماني