الوجه المُظلم لمنصات التواصل الاجتماعي

22 أكتوبر 2022
22 أكتوبر 2022

لا يختلف اثنان على أن حرية التعبير تعدُ من بين أهم الحريات الشخصية التي يحتاج إليها الإنسان إذ يمكنه من خلالها الإفصاح والتعبير عن احتياجاته ومتطلباته وهي الوسيلة الأنجع لتحقيق حياة هانئة تقوم على العدالة شرط أن لا تتعرض هذه الأداة لسوء استخدام وألا تفتقر إلى الضوابط التي تخدم صالحه وتحقق كرامته وتساعد على تحسين مستوى معيشته.

ويُنظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي اليوم باعتبارها الوسيلة الأولى المفضلة لدى الأفراد للتعبير عن آرائهم دون قيود إذ تُتيح لهم التواصل اليومي أينما وُجدوا على وجه الكرة الأرضية وهي منابر فعّالة لنقل الأخبار فباتت بذلك مصدرًا مهمًا لتداول المعلومات وأداة مرنة تُتيح مزاولة الأنشطة المختلفة التجارية والاجتماعية والسياسية.

ولأن هذه الوسائل المجانية تتمتع بسقف عالٍ وغير محدود من الحُرية وظّف كثير من مستخدميها إمكاناتها في «الإساءة» فوجهوا سهامهم تجاه الطفل والفرد والأسرة والمجتمعات، كما استخدمها البعض في نشر الشائعات المغرضة والفضائح والأكاذيب وتأجيج الصراعات وإثارة النزعات القبلية والتشكيك في جهود الحكومات التنموية بهدف زعزعة الثقة بينها وبين المواطن، فيما استغلها البعض الآخر في الابتزاز وترويع الأشخاص وشتمهم وتهديدهم حتى بالقتل.

ولا شك أن المنظمات المشبوهة والإرهابية كانت المستفيد الأول من هذه المنصات فسّخرت شعارات الحرية «اللامسؤولة» التي تُمارس من خلالها التخريب ونشر الإشاعات والمعلومات الخاطئة والفوضى والأعمال الإجرامية وهز القناعات والثوابت العقائدية والأخلاقية مستغلة فئات الأطفال والمراهقين والنساء والعاطلين، كما عملت على الترويج المجاني للعدوانية والتجريح وبث الكراهية وإقصاء الآخر والتنمر.

ورغم أن العالم يعترف بحرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان بموجب المادة رقم «19» من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة والحق في حرية التعبير والحصول على المعلومات والأفكار ونقلها دون اعتبار للحدود إلا أن ما يحدث اليوم من فوضى عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي يُحتّم حماية المجتمع من سلبياتها وإخضاع هذه المنصات -عند الضرورة- لبعض الضوابط حرصًا على احترام الحقوق وحماية لأمن الدول القومي والنظام والآداب العامة.

وأرى أنه من الأهمية عند الحديث عن حرية الرأي التي يبحث عنها البعض في هذه المنصات معتقدًا أنها بمثابة «الفتح العظيم» وأنها غريبة على المجتمع الإشارة إلى أن المجتمع العُماني عرف حرية الرأي ومارسها فعليًا منذ الأزمنة الغابرة وقدّر قيمتها وأسس منصاته التي تختص بممارستها والتي كان يتبادل من خلالها أفراده الرأي فيما يخص شؤون حياتهم فظهرت في صور متعددة ك «مجلس القبيلة» الذي يضم رجالات الرأي والحكمة و«مجالس العلماء» و«مجالس أهل العقد والحل» و«البرزة العُمانية» و«السبلة العُمانية» وكذلك الجولات واللقاءات التي كانت وما زالت تجمع سلطان البلاد بالمواطنين للحديث عن أفكارهم وهمومهم وتصوراتهم لبناء الوطن مع وجود تجربة الشورى الثرية ممثلة في مجلسي الدولة والشورى التي تستلهم روحها من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يحض على أهمية تبادل الرأي والأفكار وحرية التعبير وفق أُسس من الاحترام للحقوق وخصوصيات الناس وبعيدًا عن التشهير والقدح في الذمم.

إن بعض الشباب والناشطين ممن يرتادون هذا العالم الافتراضي يظنون أن حرية التعبير تعني الإتيان بالمختلف المشوه وتخطي الحدود والقفز على القيم والأخلاق والمبادئ وما تعارفت عليه المجتمعات من احترام لولي الأمر والكبير والمعلم والناصح وللجهود المبذولة لرُقي المجتمع متجاهلين أن حرية الإنسان »تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين» وغير عابئين بالآثار السلبية الناجمة عن إدمان التواجد بهذه المنصات والتي بدأ مختصون بالتحذير منها.

لقد حذرت دراسة أعدها أكاديميون بجامعة سيدني للتكنولوجيا نَشَرت نتائجها مجلة «إدارة المعلومات العالمية» وأوردتها صحيفة «ديلي ميل» البريطانية من أن هناك أكثر من 46 تأثيرًا ضارًا مرتبطًا باستخدام مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستجرام» من بينها الأضرار النفسية كالغيرة والوحدة والقلق وتقليل احترام الذات والاكتئاب والتحريض على الانتحار وانعدام الأمان ومشاكل أخرى ترتبط بالصحة البدنية والعقلية وانتهاك الخصوصية والتهديدات الأمنية وتشجيع الصراع مع الآخرين.

ونتيجة لذلك باتت أهمية وضع ضوابط قانونية تنظم ما يتم تداوله على هذه المنصات من معلومات وأفكار لا تمت بأي صلة إلى المفهوم الصحيح لحرية التعبير أمرا ضروريا رغم قداسة حق حرية التعبير وأهميته وذلك من منطلق أن أمن المجتمع والوقوف دون انتشار الفتن والصراعات والشائعات وصد دعوات الشذوذ والخروج عن القيم الأصيلة التي تُعلي من دور الأسرة أهم بكثير من الانسياق خلف تصرفات لا مسؤولة لمراهقين لم يصلوا سن العقل أو من تحقيق غايات مسمومة لمن يبحث عن الشهرة أو مساعدة مروجين للعُهر والمخدرات على تحقيق غاياتهم.

ومن باب الواجب أُذكّرُ في هذه المساحة بأهمية التوعية بكيفية الإفادة من منصات التواصل الاجتماعي وتوجيه النشء التوجيه السليم حتى لا يقع ضحية لهذه المنصات وهذا الجهد التوعوي إنما يقع أولًا وأخيرًا على عاتق ولي الأمر ورب الأسرة وإدارات المدارس والمعاهد والكليات والجامعات ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة والمؤسسات المجتمعية فعلى هذه الجهات القيام بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه المجتمع وتقديم مفهوم حرية الرأي من باب «قل خيرًا أو اصمت» وانطلاقًا من كونه الوسيلة المُثلى التي يجبُ أن يُستفاد منها في البناء وليس للهدم.

آخر نقطة

الحرية مدمرة إن لم تصحبها المعرفة والشعور بالمسؤولية.

كولن ويلسون