الطريق الأخضر
يتجه العالم إلى التخلص من مسببات التلوث التي تنتج عن المركبات والمصانع والأجهزة التي تستخدم وقود النفط بمشتقاته والتي أدت إلى ارتفاع إحصائيات الوفيات بسبب تلوث المدن المكتظة ذات الازدحام الكبير في الحركة، وإلى تفاقم أمراض القلب والربو والاكتئاب المؤدي إلى الانتحار بسبب فقدان متعة العيش فيها مع تسارع وتيرة تراجع العلاقات الاجتماعية وقلة الاندماج بين الأسر.
وقد اتجه العالم منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي إلى إيجاد بدائل أكثر قدرة على حفظ نظافة أجواء هذا الكوكب وتقليل إحصاءات التلوث فيه باختيار الطاقة الخضراء التي تحد من كل تلك الإشكاليات وتوجد حلولاً دائمة لهذه التحديات التي كانت من صنع الإنسان.
ترجمت سلطنة عُمان اهتمامها بذلك من خلال العديد من المبادرات المتواصلة منذ أكثر من 10 سنوات، بهدف التوجه إلى اعتماد الطاقة الخضراء في مسألة التنقل ووضعت استراتيجية متقدمة ومتدرجة للتحول إلى التوجه الأخضر الذي ترى أنه مستقبلا بيئيا أفضل واستثماريا واقتصاديا يفتح آفاقا أوسع يحقق أهدافا تضع سلطنة عُمان في مصاف متصدري المشاريع البيئة في الشرق الأوسط.
وقد اهتمت بإنتاج الطاقة الخضراء من أشعة الشمس واستطاعت أن تحقق قفزات في هذا المجال لتغذية الشبكة المحلية وتسمح أيضًا للأفراد في استخدام الخلايا الشمسية للاستفادة من الطاقة المنتجة لمنازلها ومشاريعها التجارية وتوجيه الفائض منه إلى الشبكة الكهربائية العامة.
في الملتقى الخليجي للتنقل الأخضر الذي نظمته وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أمس الأول والذي يعد واحدًا من الملتقيات المهمة في مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، دشنت الشركة الوطنية للنقل الأخضر برأس مال وقدره 29 مليون ريال عماني «75 مليون دولار أمريكي»، وهو شراكة عمانية صينية، تمثل خطوة مهمة كدعم حكومي لمشاريع الطاقة النظيفة، تهدف في عام 2026 إلى توفير 500 وظيفة وفي عام 2035 إلى تصنيع وتجميع مكونات المركبات الكهربائية ومحطات التزويد الكهربائي للمركبات.
هناك خطوات أخرى أعلن عنها وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، منها توزيع 500 من المركبات الكهربائية في مسقط وعدد من المحافظات خلال العام القادم وإنشاء مركز وطني للبحث والابتكار وتشغيل أكثر من 10 آلاف سيارة و200 محطة شحن بحلول عام 2032، وهذه الخطوات تهدف إلى تشجيع أفراد المجتمع في اقتناء المركبات الخضراء، تعزيزا لاستراتيجية التحول وتقليل الاعتماد على المركبات التقليدية.
كل هذه الجهود سوف تعزز سوق الطاقة النظيفة الذي يتوقع أن يحقق نموًا كبيرًا يبلغ 30 ٪ بحلول عام 2030 ليصل إلى 2,4 مليار دولار، ومع تعاظم هذا السوق سيكون لسلطنة عمان نصيب جيد ورائد في سوق الطاقة الخضراء في الشرق الأوسط مع توقعات أسواق أخرى تصل إليها منتجاتنا خاصة السوق الأفريقي وأوربا والأمريكيتين.
أيضا هذه الجهود ستدعم خفض 46 ألف طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا في أجواء سلطنة عُمان وهو ما يعادل زراعة مليوني شجرة، وكذا تشكل هذه الجهود بناء منظومة نقل حديثة تتواءم مع احتياجات المستقبل الذي سيكون فيه سوق الطاقة الخضراء من أكثر الأسواق وأكبرها استثمارا اقتصاديا وازدهارا وداعما لموارد الحكومة وأكثرها إتاحة لفرص العمل.
سالم الجهوري كاتب صحفـي عُماني
