اخضرار على امتداد البصر
10 نوفمبر 2025
10 نوفمبر 2025
تستعد هيئة البيئة لفتح باب جديد في رحلةٍ بدأت بهدوء على الأرض، وامتدت جذورها في الذاكرة الخضراء لعُمان. ما سيُعلن عنه ليس حدثا عابرا ولا خطوة تقليدية، بل فصل طويل في حكاية تعود فيها الأشجار إلى أماكنها، وتستعيد الأرض ملامحها الأولى. ستتضافر جهود مؤسسات عديدة في عملٍ يحتاج إلى صبر يمتد لسنوات، تُزرع فيه أنواع من الأشجار العُمانية كما لو أنها تُعاد إلى موطنها الأصلي.
تهدف هذه المرحلة إلى تعزيز حركة التوازن المناخي عبر تقوية دور الغطاء النباتي في المنظومة البيئية، وتتجاوز الأثر المناخي المباشر إلى أثر هيدرولوجي أعمق، إذ يُسهم انتشار الغابات والمسطحات النباتية في رفع معدلات الرطوبة الجوية وتعزيز تكاثف السحب، ما قد يزيد من فرص الهطول المطري في عدد من محافظات السلطنة.
تأتي هذه المبادرة بعد المرحلة الأولى ونجاح تنفيذ مستهدفاتها بين عامي 2020 ونهاية 2025، تحت عنوان المبادرة الوطنية لزراعة 10 ملايين شجرة، التي تجاوزت هذا الرقم، حيث تم توزيع 850 ألف شجرة في مختلف المحافظات، وزُرع فعليا حتى نهاية سبتمبر 597,589 ألف شجرة، وتم غرس 65 مليون بذرة لأشجار السمر، الغاف، السدر، اللبان، العلعلان، التبلدي، المر، الطلح، القرم، الشوع، المِزي، العتم، الأراك والمرخ.
في المرحلة الأولى، انطلقت الجهود من السواحل، حيث كانت أشجار القرم نقطة البداية، تترسخ بثبات عند حواف البحر لتُعيد التوازن إلى البيئات المالحة وتدعم قدرتها على التجدد. ومع الانتقال إلى المرحلة الثانية، اتخذ المشروع بُعدًا أوسع يتجاوز التشجير وحده، ليشمل تعزيز الأمن الغذائي عبر التوسّع في زراعة الأنواع القادرة على أن تُسهم في استدامة الموارد وتحسين الاعتماد على الإنتاج المحلي، ضمن رؤيةٍ يمتد أثرها لسنوات طويلة.
في هذه المرحلة لا يقتصر التركيز على زيادة الغطاء النباتي فحسب، بل على دور هذه الأشجار في تنظيم المناخ وامتصاص الكربون والحد من تزايد الانبعاثات، في سياق عملٍ بيئي يتكامل مع هدف الوصول إلى الحياد الصفري. ويأتي ذلك امتدادًا لمسارٍ وطني أثمر عن تقدّم السلطنة في مؤشرات جودة الهواء وانخفاض التلوث، حتى أصبحت ضمن الدول الأقل تأثيرًا بيئيًا على المستوى الإقليمي والعالمي.
هذه الجهود تمضي بثبات نحو بناء منظومة طبيعية أكثر قدرة على الصمود، حيث تعود الأرض إلى التنفس، وتستعيد البيئات حيويتها، ويُعاد تشكيل علاقةٍ متوازنة بين الإنسان والمكان.
المستهدف أن تُزرع ملايين الأشجار التي تعنى بالأمن الغذائي، كإنتاج محاصيل ذات قيمة اقتصادية مثل النخيل والرمان والزيتون والمانجو والتين والليمون العُماني.
المبادرة لها أهداف بعيدة وقريبة، لعل أبرزها نشر الرقعة الزراعية على أرض سلطنة عُمان من خلال المسوّرات الخضراء التي بدأت تظهر في بعض المواقع، والغرس المباشر للبذور، وإنشاء «غابات عُمان الوطنية»، و«المتنزهات الوطنية»، و«حدائق الأشجار العُمانية»، و«المدن الخضراء».
يُراد لهذا المشروع أن يصل بنا إلى الحياد الصفري، والذي يُعرف بـ(التزام سلطنة عُمان بتحقيق الحياد الصفري عند عام 2050 من خلال تنفيذ استراتيجية وطنية تهدف إلى تخفيض الانبعاثات الكربونية الملوِّثة، وتوسيع استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، ودعم تنفيذ الابتكارات الخضراء).
يهدف أيضًا إلى تقليل درجات الحرارة العالية خلال شهور الصيف، ويساعد على هطول الأمطار، ويُخفض من الاحتباس الحراري، وينشئ غابات خضراء تساعد على إيجاد بيئةٍ للطيور، وتقليل نسبة تبخر مياه الأمطار والاستفادة منها في هذه المسطحات، وتقليل ثاني أكسيد الكربون، وزيادة الأوكسجين النقي المهم لازدهار البيئة وتوفير حياةٍ أفضل لدعم صحة الإنسان.
إلى جانب دعم الجهات الوطنية ذات العلاقة في تحقيق متطلبات الشهادات الائتمانية للكربون، وفق الأطر العالمية المعتمدة لقياس الانبعاثات والإفصاح البيئي، بما ينسجم مع المعايير الدولية للالتزامات المناخية وخفض البصمة الكربونية.
مشروع رائد نحتاج إلى دعمه على المستوى الفردي والجماعي كما دعمنا المرحلة الأولى، لإنجاح هذه الجهود التي يُراد لها أن تحقق الغايات السالفة التي أصبحت، مع تسارع وتيرة الحياة، مطلبًا أساسيًا لبيئةٍ نظيفة خالية من التلوث، تُقلل من الإصابة بالأمراض وتركّز على صحة الإنسان قبل كل شيء.
