ابحثوا عن الجميلين بينكم

أيها الصديق الذي عبرت حصاري كنافذة، كم أرى الأرض من خلالك خضراء .- إبراهيم نصر الله

يقول «شكسبير» الأصدقاء الحقيقيون يصعُب إيجادهم ويصعب تركهم ويستحيل نسيانهم».

يضعُ المسرحي البريطاني العظيم في هذه المقولة توصيفًا دقيقًا ورائعًا لطبيعة هؤلاء الأشخاص في حياتنا فهم «نادرون وضروريون يتعذر نسيانهم» وكأنه يريد أن يصل إلى أن علاقة الصداقة هذه الوشيجة الإنسانية ما هي إلا بناء عال لا تنال منه الأحوال المتقلبة ولا تتكلس لبناته ولا تهرم بل تقوى وتصمد أمام التيارات الجارفة التي ما فتئت تزداد شراسة كلما امتد العُمر بالإنسان وكلما ازدحم بالتجارب.

وإذا كان ديكارت يرى ضرورة أن نكون في غاية الحذر ونحن نطلق الأحكام أو نعممها لتصبح كلية وأنه يجب أن لا نقع في أفخاخ حواسنا التي هي عنده «خادعة» لا يمكن الوثوق بها فلا بد إذاً أن نكون أكثر حرصًا ودقة عندما نصف شخصًا ما بأنه صديق لنا حيث إن لهذه الصفة شروطا يجب أن تتحقق ليس أقلها من التقارب والانسجام النفسي وتلاقي الاهتمامات والإيمان بالآخر إيمانًا مطلقًا وموضوعيًا أيضًا ولهذا كما يقول جبران «لا تطلق مسمى الصداقة على كل عابر يمر بحياتك حتى لا تقول يومًا الأصدقاء يتغيرون».

ألا يحدث كثيرًا أن تتعامل مع شخصٍ ما بسبب ظروف معينة لمدة محدودة فتخرج بفكرة أنه «طيب» أو «محترم» أو «خلوق»؟ يحدث ذلك طبعًا لكنك قد تُصدم فيما بعد عندما تكتشف أنه ليس كذلك وأنك كنت ترى جزءًا من الصورة فقط بل تسرعت في إطلاقك حكمًا عامًا ولم تمنح نفسك الوقت الكافي لتتأكد من دقته وسلامة سريرة من عنيت عبر التجارب المتوالية.

يظل الإنسان بحاجة إلى الكثير من الصبر والوافر من العثرات ليعرف من هو الأحق بالبقاء في ذاكرته فكلما ازداد عُمرًا كلما ازداد قدرة على قراءة ما حوله ومن حوله قراءة صحيحة ولهذا غالبًا يكون عاجزًا عن تكوين صداقات جديدة في سن معينة حيث لا مجال للبحث عن أصدقاء جُدد ولا سبيل لدخول تجارب متأخرة نتائجها قد تكون مدمرة عوضًا على ذلك تكون الذاكرة قد اكتفت بالأسماء والشخوص الذين استوطنوا عوالمها ولم تعد مهيئة لقبول المزيد فمن بقي بقي ومن طوحت به الريح مال وذهب مع الريح.

للذين ينشدون حياة رائعة: ابحثوا عن أصدقاء تعودون إليهم وأنتم في أسوأ حالاتكم يستمعون لكم تجدون فيهم أنفسكم يأخذونكم إلى حيث يجب أن تقفوا فلا حال مستمر ولا مناصب دائمة ولا منافع ثابتة ولا طارئين على حيواتكم سيطول بهم المقام بعد انفضاض السامر وانقضاء المصالح. احرصوا على ألا تكونوا وحيدين وأنتم بأمّس الحاجة إلى أرواح تشابه أرواحكم.

ابحثوا عن الجميلين بينكم والأنقياء فالقباحات لا تؤسس إلا لأطواد عالية من الضغائن. تخلصوا سريعًا من أسماء كثيرة في هواتفكم كنتم تُعدونهم أصدقاء لأنكم ستكتشفون ذات يوم أن الأصدقاء ليسوا بالكثرة والعدد ولكن بالمواقف.

استعدوا باكرًا لمرحلة تصبحون فيها أقرب إلى أنفسكم وإلى عُزلة تختارونها طواعية لا يُؤنسها إلا أشخاص تحبونهم وحكايات لا يجيد قصها إلا أصدقاء من نوع فاخر نادر الوجود.