«ابتذال»

13 سبتمبر 2025
13 سبتمبر 2025

نعلم جميعًا أن منصات التواصل الاجتماعي مكنت مرتاديها بمختلف أطيافهم ومستوياتهم الثقافية من التعبير الحُر والمُطلق عمّا يعتمل في نفوسهم، وما يعتقدون أنه لا يجد أذانًا صاغية لدى الجهات الرسمية. كما أنها أوصلت تصوراتهم ووجهات نظرهم المُغايرة حول القضايا المُتحفظ عليها إلى هذه الجهات، وإن بطريقة غير مباشرة.

يُنظر إلى هذه المنصات اليوم على أنها أدوات فاعلة قادرة على تحريك الساكن، وتغيير الكثير من سياسات الدول بدفعها إلى الانتقال من اعتماد سياسات فرض الأمر الواقع إلى الاستماع -خاصة في المجتمعات التي تفتقر إلى الحد الأدنى من حرية الرأي-، لكنها في الوقت ذاته تشكل عامل خطورة يهدد الشخصية الوطنية والهوية بما يبث خلالها من مواد تشوه وتُسيء إلى هذه الشخصية.

يجد البعض متعة غير مفهومة في استغلال منصات كالإنستجرام والفيس بوك وغيرها لبث مواد «ريلز» تطرح محتويات مبتذلة، والترويج لأفكار منحرفة كالمثلية الجنسية والشذوذ عبر تتبع شخصيات مُحددة، أو تشويه فنون تقليدية تمثل التراث الأصيل.

هذه المواد التي يشاهدها الملايين يبدو الهدف من بثها التسلية، والحصول على المزيد من علامات الإعجاب أو ربما التندر، أو الجهل في كثير من الحالات، لكنها في الواقع تشكل مصدر إساءة لأي وطن؛ كون الشخصيات المقصود إظهارها ترتدي الزي الوطني، وتتحدث بلهجة من لهجاته، وتصِور نشاطاتها في نطاق ترابه.

المؤسف أن يد القانون لا تصل إلى القائمين على بث مقاطع «الريلز» التي تزدحم بها المنصات، وهذا أمر مقلق وتجب معالجته؛ ليس لأن الأشخاص الذين يمارسون هذا العبث يجهلون كيفية توظيف المساحات المتاحة كما ينبغي، إنما لقيامهم بالترويج للميوعة والانحلال الخُلقي اللذين لا يمثلان أي مجتمع سوي.

إن حرية التعبير بمختلف صورها وأشكالها مطلب إنساني، وهدف ناضلت الشعوب من أجل تحقيقه؛ لأنه الطريق الصحيح لترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية، لكن أن تتحول هذه الميزة إلى خنجر مسموم يوظف لفّت عضد المجتمع، وهدم قيمه، وسحق مبادئه؛ فذلك ما لا ينبغي السكوت عنه.

أين التندر في رجل كبير في السن يتشبه بالأنثى ويُنعت باسم امرأة وكأن الأمر طبيعي؟ أين الحرية الشخصية في إظهار امرأة تحتضن أخرى، وتعلنان شذوذهما على الملأ؟ بل أين احترام قيم الوطن وموروثاته في رجل يؤدي فنًا تقليديًا يمسك بالسيف أو الخنجر وهو «يتميع»؟!

إن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الجديدة هو إنجاز مهم لا شك، لكن يجب الإفادة منه بما يخدم مصالح الإنسان والأوطان. وذلك لن يتحقق إلا من خلال توظيفها في طرح أفكار ورؤى ووجهات نظر حقيقية تهدف إلى الإصلاح والبناء والإضافة، لا استغلالها ببث سلبي وما لا قيمة له؛ فكل ذلك يفوّت على المجتمع فرصا حقيقية من أجل تقييم الواقع وإعادة تشكيله.

النقطة الأخيرة..

«الجاهل عدو نفسه».

قول مأثور

عُمر العبري كاتب عُماني