على إسرائيل أن تنزاح من طريق ترامب

24 ديسمبر 2025
ترجمة: أحمد شافعي
24 ديسمبر 2025

يرجع للرئيس دونالد ترامب الفضل في الضغط من أجل تحقيق الاستقرار في ثلاث بؤر متوترة في الشرق الأوسط هي غزة ولبنان وسوريا.

غير أن ما يضعف استراتيجية الرئيس ترامب في الشرق الأوسط هو أقوى لاعبي المنطقة في الجبهات الثلاث وأقرب حليف لأمريكا في ظاهر الأمر، أي إسرائيل.

بعد صدمة هجمات حماس السابع من أكتوبر، تبنت إسرائيل مبدأ عدم المخاطرة الذي يجعل من استعمال القوة والسيطرة على الأرض أولوية على حساب الدبلوماسية. والتناقض صارخ: بين سياسة الاستمرار في الضربات الوقائية التي تزيد من خطر التصعيد، وبين نقيضها أي عدم المخاطرة.

يخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمقابلة الرئيس ترامب في الولايات المتحدة في التاسع والعشرين من ديسمبر. وللحيلولة دون الانزلاق مرة أخرى إلى الحرب، يجب أن يكون الرئيس الأمريكي صريحًا وحازمًا مع نتنياهو. فعليه أن يوضح بالتفصيل متطلبات الاستقرار في المنطقة وما يتوقعه من نتنياهو من عمل بناء على هذا المتطلبات.

وفي التمهيد للقاء، يحسن بالقادة العرب أن يعربوا عن تأييدهم لأجندة الرئيس ترامب جاعلين من أولوياتهم الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة.

نرى في لبنان أن دعوة الإدارة إلى نزع السلاح شبه الفوري من حزب الله ـ وأقوى فصيل سياسي وعسكري في البلد وعدو إسرائيل اللدود ـ قد تجاهلت سوابق نزع التسلح العالمية باعتبارها عملية تدريجية، ووضعت توقعات غير واقعية. وحينما لم تتحقق تلك التوقعات، لوحت إسرائيل بإمكانية القيام بعملية كبيرة وشيكة، برغم جهود عام كامل من الوساطة الأمريكية والفرنسية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وإسرائيل تحتل بالفعل خمسة مواقع داخل لبنان وتقوم بضربات وغزوات يومية.

وفي سوريا، تقوم إسرائيل بغزوات عسكرية كثيرة مع المطالبة بنزع سلاح كامل المنطقة الواقعة بين دمشق ومرتفعات الجولان المتاخمة لحدود إسرائيل الشمالية الشرقية. في الوقت نفسه، تصر على ما تعده منطقة آمنة داخل الأراضي السورية.

ويبقى قطاع غزة أخطر نقاط التوتر. فرفض نتنياهو لأي دور للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة يخاطر بهدم خطة ترامب المؤلفة من عشرين نقطة التي أدت إلى اتفاقية وقف إطلاق النار في أكتوبر. ورفضه هذا لا علاقة له بالأمن الوطني. وله علاقة وطيدة بدعاة ضم الأراضي المشيحانيين الذين اختار أن يحكم متآلفًا معهم، فهم يهددون بالخروج من الائتلاف في حال قبول نتنياهو بدور للسلطة الفلسطينية في غزة فتكون هذه نهاية توليه رئاسة الوزراء.

تدعو خطة ترامب إلى قوة استقرار دولية بوصفها ضرورة لنزع سلاح حماس، وتيسير مزيد من الانسحابات الإسرائيلية، وحماية اللجنة المدنية التي ينتظر أن تحكم القطاع وتوفر الأمن لعملية إعادة الإعمار التالية. غير أن البلاد العربية وأغلب البلاد الإسلامية التي قد تشترك بقوات في هذه القوة تعد إشراك السلطة الفلسطينية أمرا ضروريا وإن بدأ على نحو رمزي.

فدونما هذا الاشتراك، سوف تبدو القوة لدى شعوب البلاد المشاركة فيها ولدى كثير من بقية شعوب العالم العربي وغزة وكأنها محض قوة احتلال بديلة للاحتلال الإسرائيلي. وما من سبيل لتوفير الشرعية لهذه القوة إلا بدعوة من السلطة الفلسطينية ومشاركة منها منذ البداية الأولى. كما أن الدول العربية ترى اشتراك السلطة خطوة نحو توحيد غزة والضفة الغربية، وهو شرط مسبق لحل الدولتين.

ودونما مشاركة عربية لا مجال لتنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب وهي نزع سلاح حماس وانسحاب إسرائيل الكامل من نصف غزة الذي لا تزال تسيطر عليه وإعادة الإعمار وتكوين قوة الاستقرار. وفي الوقت نفسه، يكون وقف إطلاق النار ـ الذي يقع في صلب المرحلة الأولى ـ محاطا بالخطر. فالمصادمات اليومية تهدده بينما يحتمل مليونا مواطن في غزة أوضاعا غير إنسانية.

لقد قابل مسئولون إسرائيليون إعلانات واشنطن المتفائلة بشأن قرب المرحلة الثانية بالتشكيك والتهكم وبما يشبه القول «إنه إذا لم ننزع نحن سلاح حماس فلن ينزعه أحد»، وهذا كله يشي بالاستعداد لاستئناف الحرب. ومع رجوع جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء وجميع الموتى إلا أحدهم، يكون قد تبدد دافع أساسي لإسرائيل للوفاء بالتزامات المرحلة الأولى.

وقد تدخل الرئيس ترامب حينما شعر بأن التصعيد الإسرائيلي يهدد بنيانه الإقليمي كله. ففي الأول من ديسمبر، تردد أنه حث نتنياهو على «اللين» في ما يتعلق بسوريا. ورد نتنياهو بإشارات مفادها «إنني سمعتك» دونما تغيير حقيقي في السياسة.

ومن ذلك أنه وافق على إعادة فتح معبر رفح إلى مصر، وهو من المعابر الأساسية للدخول إلى غزة والخروج منها، ولكن الفتح في اتجاه واحد فقط: فهناك خروج، لكن لا رجوع ولا نقل لمساعدات إنسانية، وذلك كله خلافا لما تنص عليه خطة الرئيس ترانب التي دعت إلى تنقل البشر والمساعدات الإنسانية في الاتجاهين.

وفي لبنان، تراجع نتنياهو عن حديث التصعيد الوشيك وأرسل مبعوثا مدنيا في مهمة اقتصادية وجيزة. وفي سوريا زعمت الحكومة الإسرائيلية أن بالإمكان التوصل إلى اتفاقية في حال تلبية الحد الأقصى من مطالب إسرائيل الأمنية.

وهذه التنازلات الزهيدة قد تفسر سبب دعوة الرئيس ترامب إلى لقاء مباشر مع نتنياهو للمرة السادسة في ولايته الثانية.

على مدار العام الماضي، كلما كان قادة الشرق الأوسط يقدمون للرئيس ترامب جبهة موحدة وخطة ممكنة التنفيذ وعزما على تحمل العبء الأكبر مع نسبة الفضل إليه، فإنه كان يتحرك. وفي عشية تنصيبه، عرضوا عليه أن يضمنوا موافقة حماس على وقف إطلاق النار إذا ما ضمن هو موافقة نتنياهو. وقد كان. وفي مارس، ساندوا خطة إعادة الإعمار المصرية التي أزاحت خرافة «ريفيرا غزة» التي تحدث عنها ترامب. فجاراهم. وفي يوليو، ربطت المبادرة السعودية الفرنسية بين استقرار غزة ومفاوضات إسرائيلية فلسطينية أوسع وتكامل إقليمي. فوجدت هذه العناصر طريقها إلى خطته المؤلفة من عشرين نقطة. ويمكن أن يحدث هذا من جديد. فيجب أن يقدم الشركاء العرب والأوروبيون وغيرهم للبيت الأبيض قائمة قصيرة بتغييرات في السياسة الإسرائيلية لازمة لتفعيل المرحلة الثانية. وقد تضم هذه القائمة القبول بمشاركة السلطة الفلسطينية ومزيدا من الانسحابات الإسرائيلية تتماشى مع نزع سلاح حماس تدريجيا. وقد تتضمن أيضا زيادة في المساعدة الإنسانية وإعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وكذلك الموافقة على قائمة ـ يشرف عليها المصريون ـ بالتكنوقراط الفلسطينيين المستقلين للعمل في لجنة حكم غزة.

ولكي يوافق الرئيس ترامب على دفع تلك الشروط إلى نتنياهو؛ فسوف يلزم أن يسمع رسالة اضحة من أولئك القادة: «إذا سلَّمتَ نتنياهو فسوف نسلم حماس. وإذا انصاعت إسرائيل لشروط خطتك للسلام نتعهد بمشاركات في قوة الاستقرار الدولية وتمويل إعادة إعمار غزة».

فالخيار الذي يواجهه الرئيس الأمريكي شديد الوضوح الآن: إما فرض الانضباط على أقرب حليف لأمريكا في المنطقة، وإما مشاهدة البنيان الهش وهو يهدم تحت ثقل تصعيد نتنياهو المطرد، والفرصة السانحة لاجتناب حرب أخرى تتضاءل.