«معا نتقدم».. هل يشارك أفراد المجتمع في صناعة القرار ؟

24 ديسمبر 2025
24 ديسمبر 2025

في زمن يتسم بتعقيد وسرعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية أصبح لازمًا مشاركة أفراد المجتمع في صناعة القرارات الحكومية من خلال الاستماع إلى مرئياتهم ومقترحاتهم ونقاشاتهم؛ ولهذا انطلق ملتقى «معا نتقدم» لتكريس نهج الديمقراطية المجتمعية.

وهناك من يقول بأن المجالس المتخصصة -ومنها مجلس الشورى وأعضاء المجالس البلدية- بها أعضاء منتخبون يمثلون أفراد المجتمع، وبالتالي يستطيعون القيام بتلك المشاركة بالنيابة عنهم، ولكن لسان الحال غير ذلك؛ لأن هذا النهج يختلف تمامًا.

فهؤلاء أبناء الوطن أتوا من جميع المحافظات؛ لكي يسهموا بأنفسهم مباشرة دون وسطاء في بناء الوطن عبر مرئياتهم، وأيضا يتلمسون الجهود التي تقوم به الوحدات الحكومية في مختلف القطاعات ذات الصلة بالمجتمع.

كما أن الملتقى من شأنه إيصال رسائل لمسؤولي الوحدات الحكومية بأن المشاركة المجتمعية هي الطريقة الفضلى نحو صناعة القرارات الحكومية إن أرُيد منها أن تحدث أثرًا مباشرًا يتلاقى مع تطلعات أفراد المجتمع الحالية والمستقبلية.

ملتقى «معا نتقدم» حصل على تجاوب كبير من حيث مشاركة أفراد المجتمع الذين لم يتجاوز عددهم ألف مشارك في نسخته الأولى التي انطلقت في العام (2023) إلى ما يزيد على أربعة آلاف مشارك في النسخة الثالثة.

ولعل السر يكمن في آلية التنظيم من حيث إشراك المواطنين في التصويت على اختيار المحاور التي يرون بأنه ذات أهمية لتتم مناقشتها في كل ملتقى.

كما يتضح بأن محور التشغيل وسوق العمل لاقى تفاعلًا أكثر من حيث اختياره بشكل متكرر في النسخة الأولى والثانية، وأيضا كانت هناك حلقة نقاشية تتعلق بالتشغيل في النسخة الثالثة.

المحاور الأخرى لا تقل أهمية ومنها على سبيل المثال الاستدامة المالية، والتعليم المدرسي والعالي، وتجويد الخدمات الحكومية.

كما أن المبادرات والمنصات التي أطلقت خلال فترات انعقاد الملتقى والتي منها على سبيل المثال منصة صادرات عمان، ومنصة «تجاوب» للمقترحات والبلاغات والشكاوى، ومنصة توطين التي تركز على سوق العمل. هذه المبادرات والمنصات الرقمية تعتبر من ثمرات مشاركة أفراد المجتمع في توجيه وصناعة القرار الحكومي.

وإن كان محور التشغيل وسوق العمل أكثر المحاور حضورًا في معا نتقدم؛ نظرًا لكونه القضية الوطنية التي يستمر تداولها بين أفراد المجتمع، ولكن ما زال هناك نوع من عدم التناسق في دقة إحصاءات الباحثين عن العمل والأعداد التي تعيّن.

لقد طالعتنا جريدة «عمان» مطلع هذا الأسبوع بتحقيق تحدث فيه أحد مديري العموم عن الأرقام الفعلية للذين عينوا ـ خلال هذا العام ـ في إحدى المحافظات والذين تجاوز عددهم عشرة آلاف باحث عن العمل حتى نهاية نوفمبر الماضي.

تلك الأرقام مبشرة، وتنم عن الاهتمام المتزايد بهذه القضية الوطنية، ولكن بمقارنة تلك الأرقام مع النشرة الشهرية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات؛ فإن العدد لا يتوافق مع ما صرح به، وإن أخذنا في الاعتبار أنه قد يكون هناك أعداد من المسرحين والمنتهية خدماتهم خلال نفس المدة فقد يكون سببًا في ذلك. مثل هذا الاختلاف يفتح المجال لبناء فرضيات غير دقيقة عن أعداد الباحثين عن العمل أو الذين يعينون؛ وبالتالي التقليل من الجهود الحكومية المستمرة في توفير فرص عمل للمواطنين.

كما تتزايد أهمية ملتقى «معا نتقدم» من حيث إنه على الرغم من قرار مجلس الوزراء بتعيين متحدثين رسميين بجميع الوحدات الحكومية الخدمية؛ بهدف استخدام الأدوات الإعلامية لبيان رؤى الجهات الحكومية وما تقدمه من خدمات لأفراد المجتمع، والرد على ما يطرح عبر وسائل التواصل الاجتماعي من القضايا المجتمعية، فإن الملاحظ بشكل عام قلة تفعيل مبادرة المتحدث الرسمي في أغلب الوحدات الحكومية من حيث سرعة التعاطي مع القضايا المجتمعية، مما يؤدي في النهاية إلى قيام البعض بطرح تفسيرات مغلوطة عن تلك القضايا.

وإن آمنا بأن هناك من الوحدات الحكومية من تقوم بتفعيل المتحدث الرسمي فإن ذلك يتم بعد مدة من الزمن من نشأة المشكلة أو القضية. ولنضرب مثالًا لذلك: الحالة الإنسانية التي ظهرت في ولاية السويق قبل مدة وجيزة، والحديث عن قيام شركة نماء بقطع التيار الكهربائي عن منزل أحد المواطنين؛ نظرا لتراكم المستحقات الشهرية؛ فقد تعاملت الشركة بكل احترافية في نفس اليوم عن طريق إصدار بيان رسمي، فأغلقت الشركة المسألة في نفس اليوم. هذا التدخل السريع والاستباقي منع قيام البعض من إعطاء تفسيرات غير دقيقة، وهذا هو المطلوب من المتحدثين الرسميين: السرعة والتفاعل السريع مع القضايا المجتمعية.

وإن قلنا بأن عهد المتحدث الرسمي ما زال حديثًا، وتحتاج الوحدات الحكومية إلى وقت من الزمن للتكيف مع متطلبات المرحلة الحالية من نمط العمل الحكومي الذي يتسم بالتغيير والرشاقة، فإن دوائر التواصل والإعلام والتي هي ملحقة برئيس كل وحدة حكومية هي الأخرى مطالبة بتفعيل جوانب التواصل مع القضايا التي تهم أفراد المجتمع.

فعلى الرغم من الكفاءات المتخصصة التي لديها، إلا أنه لم يتم استغلالها لإبراز المكتسبات الوطنية بطريقة أكثر فاعلية. تلك الدوائر آلت على نفسها تسخير إمكاناتها البشرية في التغطية الإعلامية بتصوير إنجازات ولقاءات وفعاليات الوحدة أو مسؤوليها بشكل أضحى للبعض بأن الظهور الإعلامي ـ بشكل مستمر ـ مؤشر على التميز الحكومي.

نعتقد بأن تلك الدوائر تناست بأن تقييم التميز الحكومي وجودة الخدمات يتم الحكم عليه من أصحاب المصلحة الذين يستفيدون من الخدمات الحكومية.

وقد أجزم في حال توجيه سؤال لأفراد المجتمع أو المستفيدين من الخدمات العامة لعينات من الوحدات الحكومية الخدمية فإن نسبة عدم الرضا سوف تكون عالية.

ولكي لا نكون منتقدين دائمًا؛ فإنه في الآونة الأخيرة ظهرت كفاءات وطنية من مسؤولي الوحدات الحكومية استطاعوا توجيه البوصلة نحو العمل الحكومي الجماعي، وتركوا الحكم على منجزاتهم عن طريق أفراد المجتمع، وليس باستخدام دوائر التواصل والإعلام، وأيضا بإبراز أفعالهم في ميدان العمل دون كثرة الظهور الإعلامي، ورعاية المناسبات.

مثل هؤلاء يحصلون على استحسان أفراد المجتمع؛ لأن أعمالهم تتلاقى مع طموحات المجتمع؛ وبالتالي فإن صناعة القرارات الحكومية التي يتخذونها عادة تلامس الواقع ويكون لها أثر.

من المحاور المهمة في ملتقى معا نتقدم في نسخته الرابعة التي سوف تنطلق خلال شهر فبراير من العام القادم، محور «رؤية عُمان 2040»، ومناقشة ما تم إنجازه وما تحقق من مستهدفات وطنية خلال خلال الربع الأول من زمن الرؤية مع ربط مؤشرات الرؤية بالخطة الخمسية الحادية عشرة المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والتنموية.

أفراد المجتمع بحاجة إلى مزيد من التوضيح للأولويات الوطنية والنتائج المحققة في كل أولوية؛ بحيث يتم تبادل الأفكار والمقترحات بين أفراد المجتمع وبين مسؤولي الوحدات الحكومية في كل ما يتطلعون ويتوقعون من نتائج مستقبلية.

مثل هذا الطرح والذي عادة يتسم بروح المواطنة والشفافية يستطيع من خلاله أفراد المجتمع توجيه ملاحظاتهم ومداخلاتهم للمسؤولين مما يثري العمل الحكومي، وتحصل الوحدات الحكومية على تغذية راجعة تستطيع معه معرفة أوجه الخلل، ومعالجة التحديات بصورة تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

أيضا هذا الطرح يعمل على بث روح الأمل وبنظرة إيجابية لخدمة جوانب التنمية والقضايا المجتمعية بعيدًا عن التذمر والسلبية التي أخذت تتولد حتى لدى بعض أفراد المجتمع الذين أوتوا نصيبا من العلم والمال فكيف بالذين هم أقل حالًا ومالًا.

طالما أن (معا نتقدم) منصة حورية نقاشية الهدف منها إيجاد مساحة واسعة لطرح وتبادل الأفكار فإنه قد يكون مناسبا نقل محاور الملتقى المخطط له العام القادم على الهواء مباشرة مع توجيه جميع المسؤولين من الوحدات الحكومية من مستوى مدير فأعلى وموظفي دوائر التواصل والإعلام بالوحدات الحكومية والمتحدثين الرسميين بمتابعة مجريات الملتقى إلكترونيا في حال عدم تمكنهم من الحضور. بهذه الطريقة يكون جميع مسؤولي الحكومة بجميع مسمياتهم الوظيفية على اطلاع بشكل أوسع للمحاور الوطنية التي تناقش في الملتقى ما يساعدهم على بناء سيناريوهات أكثر دقة عند صناعة أو صياغة القرارات الحكومية.

أيضا من المناسب في كل ملتقى تشكيل لجان حكومية لمتابعة مدى تنفيذ المقترحات والأفكار التي تطرح؛ للوصول إلى فهم أوسع يعمل على ترسيخ مبدأ أساسي، وهو مشاركة أفراد المجتمع في صناعة القرار الحكومي.