كيف يتشكل وعي الجيل العماني اليوم؟!

05 نوفمبر 2025
05 نوفمبر 2025

أعمل منذ مدة على بحثٍ متشعّبٍ في صناعة الوعي العربي الجمعي. وبما أننا جزء ممتد من خارطة الوطن العربي، فقد نالنا ما نال العالم أجمع من ازدواجٍ ثقافيٍّ عميق.

لم يعد بوسعنا اليوم أن نصف أنفسنا بأننا نشبه أجيالًا رحلت حين كانت في أعمارنا؛ لا البيوت كما كانت، ولا المجالس كما عهدناها، وحتى الترابط الأسري بات متذبذبًا، ولون الحوار داخل العائلة تغيّر جذريًا، جيل اليوم يعيش في فضاءٍ موازٍ، ينقسم وعي الفرد فيه بين ما هو واقعي وما هو افتراضي.

فعلى سبيل المثال، في تطبيق «تيك توك»، لا يحتاج المراهق اليوم إلى أكثر من بضع ثوانٍ ليجد نفسه في مواجهة ثقافاتٍ متناقضة، في هذه الثواني القليلة، يمتص المتصفح المراهق ألوانًا متباينة من المقاطع المصوّرة: وصايا أخلاقية مستمدة من قيمٍ غربية، ومشاهد ساخرة ومبتذلة لشابٍ عربيٍّ في مثل عمره، وفتاةٍ تمارس الرياضة باسم «كوتش» لتعلّم الفتيات كيف يصبحن ممشوقات القوام، تتجاور هذه الصور بسرعةٍ مذهلة حتى تذيب الحدود في ذهنه بين ما هو أصيل وما هو دخيل، وبين ما هو عيب وما هو مستساغ. والسؤال هنا: هل ما زالت المرجعية القيمية والدينية والاجتماعية وثيقة كما كانت؟ أم أن خوارزميات الهواتف هي التي تُعيد رسم الموازين؟

ما أثار دهشتي حقًّا - على المستوى الشخصي - هو تأثّر بعض الطبقات المثقفة بهذا الركب! فقبل مدةٍ، صُدمت حين رأيت أحد المثقفين في مقطعٍ مصوّرٍ يتمايل بخلاعة أمام «فانزاته» باسم الثقافة، والغاية هي استقطاب المشاهدات فحسب! فهل اختصرنا الثقافة اليوم في مبدأ: «بقدر ما يُفتتن المتابع، تتّسع شهرتي»؟

من ناحيةٍ أخرى، تغيّرت ممارسات الجيل الرقمي أو ما يُعرف بـ«الجيل زد GenZ» تغيرًا جذريًا، إذ بات الشاب يختصر جهده الذهني في متابعة مقطعٍ قصيرٍ لتوجيه قناعاته. هذه الممارسات لم تقتصر على فئة المراهقين فحسب، بل امتدت لتشمل مختلف الأعمار، فكوّنت جيلًا سريع التلقي وسريع الملل في الوقت نفسه، سريع الغضب والانطفاء! يستهلك طاقاته العاطفية والعقلية بإفراطٍ غير منطقي. والحال ذاته مع اللغة المهجّنة التي يتداولها الجيل الرقمي اليوم، لتفرض على جيل الآباء أن يتعلّم الإصغاء بطرائق جديدة، وإلا خسر فرصة التواصل مع الأبناء الرقميين.

ولا أقول إن هذا التحوّل سلبيٌّ بالمطلق، ففيه جوانب مشرقة؛ كجرأة الشباب في التعبير عن ذواتهم، وشجاعتهم في طرح الأسئلة التي تردّد الأجيال السابقة في مواجهتها. غير أنني أخشى إن ساءت لغتنا، ساء زماننا.

التحدي الحقيقي أمام المجتمع العُماني اليوم يكمن في جرأة النقد البنّاء، وفي طرح البدائل الواقعية. يمكننا - على سبيل المثال - أن نرفض أيَّ مشهورٍ يتسبّب في سيولة المفاهيم، ورفضُه يبدأ من إلغاء متابعته، ونفيه من المشهد الإعلامي تمامًا. أما البدائل، فتتمثل في إنشاء منصّاتٍ ومعاهد ومجالس ومراكز تعليمية ومعرفيةٍ ممتعة، تُعنى بجذور الشاب العُماني والعربي عمومًا، لمقاومة الانجراف الغربي الأعمى. نحن بحاجة إلى زراعة القيم الأصيلة في نفوس الشباب، من خلال التلقين المصحوب بالتطبيق العملي المباشر.