المحافظات

مكتبة وقف الحمراء الأهلية تستعد للتحول إلى مركز ثقافي ينير دروب المعرفة

02 سبتمبر 2025
تجربة فريدة في تعزيز العمل التطوعي والثقافة
02 سبتمبر 2025

تستعد مكتبة وقف الحمراء الأهلية للانتقال إلى مرحلة جديدة من خلال تحويلها إلى مركز ثقافي يحمل اسم "مركز الحمراء الثقافي"، ويمثل هذا التحول نقلة نوعية في مسيرة المكتبة، حيث سيشمل المركز مجموعة متنوعة من المرافق مثل قاعة متعددة الأغراض، ومتحف، ومكتبة عامة، ومكتبة للأطفال، وقاعات تدريب وبحث، واستوديو، ومكاتب إدارية، وقاعة للاجتماعات؛ وتهدف هذه المرافق إلى توفير بيئة مثالية للزوار للبحث والقراءة والمشاركة في دورات تعليمية وفعاليات ثقافية.

ومن المؤمل أن يتم تجهيز المركز بأحدث التقنيات، مما يجعله مركزًا مواكبًا للتطورات الحديثة في عالم المكتبات والثقافة، وقد تم الانتهاء من إعداد الخرائط والتصاميم الهندسية للمشروع، مما يعكس الجهود المبذولة لتحقيق هذه الرؤية.

إرث ثقافي يمتد لقرون

قال أحمد بن محمد العبري عضو مجلس المكتبة: تأسست مكتبة وقف الحمراء في منتصف القرن الحادي عشر الهجري على يد شخصيات بارزة مثل الشيخ محمد بن يوسف بن طالب العبري والشيخ سالم بن خميس، وقد أسهمت هذه المكتبة في الحفاظ على التراث الثقافي رغم التحديات التي واجهتها في أواخر القرن الماضي، حيث أدى الإهمال إلى فقدان العديد من الكتب القيمة، وفي عام 1996، أطلق مجموعة من المثقفين المحليين مبادرة لإحياء المكتبة وتحويلها إلى مؤسسة عصرية، ومن خلال الجهود التطوعية، تم إنشاء أول مكتبة أهلية عامة مرخصة في البلاد، وتهدف المكتبة إلى تعزيز الوعي العلمي والثقافي بين جميع الفئات، من الطلبة إلى الباحثين، من خلال توفير المصادر اللازمة ودعم القراءة والمطالعة، مشيرًا إلى أنه مع ظهور فكرة تطوير المكتبة، تم تشكيل لجنة لمتابعة المشروع وتوفير الموارد اللازمة، وبفضل تصميم وإرادة القائمين على المشروع، تم الانتهاء من جميع الخطوات المطلوبة في فترة زمنية قصيرة، ليستقبل الجمهور المكتبة في 8 أغسطس 1996 برعاية سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المكتبة رمزًا ثقافيًا يقدم خدمات متميزة ويعتمد على الأنظمة الحديثة في إدارة المكتبات.

التطور الرقمي

قال أحمد العبري: بدأت المكتبة باستخدام سجل خاص لتوثيق المواد المستعارة، ثم انتقلنا إلى نظام البطاقات، حيث كان لكل مادة بطاقة خاصة بها تُسجل فيها بياناتها والاستعارات التي تتم، كما كان لكل مستعير بطاقة منفصلة تُوثق بياناته والمواد التي يستعيرها، موضحًا أن هذا النظام استمر لعدة سنوات قبل أن يتحول إلى نظام حاسوبي أكثر كفاءة. ومنذ افتتاح المكتبة، حرص القائمون عليها على استخدام الأنظمة الإلكترونية لتحديث قواعد البيانات وتنفيذ عمليات البحث عن الكتب وإعارتها وإرجاعها، وقد تم تطوير نظام حاسوبي خاص بالولاية، بهدف مواكبة التحول الرقمي وتقديم خدمات أفضل للزوار.

وقال: في عام 2018، وقعت المكتبة اتفاقًا مع شركة عبر الخليج لتوفير نظام (آفاق المعرفة)، الذي يدير جميع العمليات الرقمية، ويشمل هذا النظام فهرسة وتسجيل بيانات الكتب والمستعيرين، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات الإعارة والإرجاع إلكترونيًا، كما يتيح للزوار البحث عن الكتب عبر الإنترنت، وحجز المواد، وتجديد الإعارة، ويضم نظام (آفاق المعرفة) أيضًا خدمات متقدمة مثل حجز مرافق المكتبة، ونشر إعلانات الفعاليات، وحفظ التقارير، وإنشاء استمارات رقمية للتسجيل في الأنشطة أو تقديم مقترحات حول الكتب.

وتحتوي المكتبة على مجموعة واسعة من مصادر المعلومات، مع أكثر من 13770 كتابًا تغطي مجالات معرفية متعددة، بما في ذلك الموسوعات العامة والكتب المتخصصة، بالإضافة إلى وثائق قديمة ومخطوطات وأطروحات دراسات عليا، كما تضم المكتبة أكثر من ألف شريط سمعي وقرابة 500 شريط فيديو، وتشمل محاضرات علمية وأفلامًا كرتونية للأطفال، فضلًا عن أفلام توثيقية لفعاليات محلية، موضحًا أن المكتبة تفتح أبوابها للزوار طوال أيام الأسبوع، ما عدا يوم السبت، مع أوقات محددة تتغير خلال الصيف وشهر رمضان، ويتولى إدارة المكتبة موظفون من الجنسين، حسب الفترة المخصصة لكل منهما.

الأنشطة الثقافية

أوضح أحمد العبري أن المكتبة تقوم بإقامة الفعاليات والأنشطة الثقافية التي تهدف إلى بث الوعي ونشر الثقافة والمعرفة بين أفراد المجتمع في مختلف المجالات، ويمكن تلخيص الأنشطة التي تقيمها المكتبة كالتالي: المحاضرات والندوات الثقافية، حيث تستضيف المكتبة المفكرين والمحاضرين في المجالات الثقافية المختلفة لإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات الحوارية، ومن أمثلة ذلك أمسيات (رواق المعرفة)، وسلسلة دروس فكرية شهرية للشيخ زاهر بن عبدالله العبري بعنوان (مفاهيم في حياتنا)، والأمسيات الحوارية والشعرية التي تقام بالتزامن مع بعض المناسبات أو التي تقيمها المكتبة بشكل منفرد. والحلقات والدورات التدريبية، وهي عبارة عن حلقات تدريبية في المجالات الإدارية أو التقنية أو الفنية يقدمها مختصون في تلك المجالات، وقد تستهدف هذه الحلقات فئات عمرية محددة أو تكون مفتوحة لجميع الأعمار. والاحتفالات بالمناسبات الدينية والوطنية، وتهدف إلى الاحتفاء بتلك المناسبات من خلال إقامة أمسيات جماهيرية تتضمن فقرات متنوعة. والمسابقات، ومن أهمها مسابقة (ارتقاء) لحفظ القرآن الكريم والحديث الشريف التي تقام سنويًا خلال فترة الصيف في عدة مستويات، وتلقى إقبالًا كبيرًا من أبناء المجتمع ذكورًا وإناثًا، ويتم تكريمهم ضمن الحفل السنوي للمكتبة، كما تقيم المكتبة مسابقة (صيفي نماء) وغيرها من المسابقات المتنوعة. والملتقيات، حيث تقيم المكتبة ملتقى سنويًا للطلبة المقبولين للدراسة الجامعية والذي يهدف إلى تعريف الطلبة بالحياة الجامعية والمهارات التي يجب عليهم اكتسابها، وكيفية التغلب على التحديات التي تواجههم، بمشاركة أكاديميين ومختصين في هذا المجال، كما تشارك المكتبة في الملتقيات التي تضم المكتبات الأهلية في سلطنة عمان سواء على مستوى محافظة الداخلية أم على مستوى سلطنة عمان. والزيارات، حيث تستقبل المكتبة بين الحين والآخر زيارات من داخل الولاية وخارجها ومن خارج سلطنة عمان كذلك، والتي تهدف إلى التعرف على المكتبة وتاريخها ومحتوياتها، كما تستقبل المكتبة زيارات طلابية من مدارس الولاية للتعرف على المكتبة وتوعيتهم بأهمية المكتبات وتعويدهم على عادة القراءة.

لقد أسهمت مكتبة وقف الحمراء الأهلية بشكل ملحوظ في تحسين حياة الأفراد والمجتمع المحلي من خلال تقديم خدمات قيمة، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، منها توفير مكتبة عامة في الولاية يستفيد منها الطلبة والمثقفون والباحثون، وتوثيق الأنشطة والأحداث المهمة بالولاية بالفيديو، وجمع التراث الثقافي للولاية من خلال جمع بعض المخطوطات وصيانتها وحفظها في المكتبة، وتعويد الناشئة على ارتياد المكتبات العامة والبحث فيها، وتوفير المراجع والموسوعات وجعلها في متناول أفراد المجتمع من خلال اقتناء المكتبة لها وإتاحتها لمرتاديها، والاحتفاظ بأرشيف للجرائد اليومية يتيح الفرصة للمهتمين للرجوع إليها لاحقًا، وغرس ثقافة العمل التطوعي لدى أفراد المجتمع من خلال العمل بالمكتبة أو التبرع لها، وإبراز مواهب أبناء الولاية من خلال إشراكهم في أنشطة المكتبة، والتفاعل مع المجتمع من خلال تنظيم الأنشطة والفعاليات الثقافية.

الإنجازات

في عام 2021، شاركت المكتبة في مسابقة "الإجادة للمكتبات" التي أطلقتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، حيث حصلت على المركز الثالث على مستوى سلطنة عمان بعد تقديم ملف شامل عن أنشطتها خلال جائحة كورونا. وفي عام 2022، توجت المكتبة بالمركز الأول في المسابقة ذاتها، والتي كانت تتناول موضوع "نحو مكتبات ومراكز ثقافية مبتكرة".

وعبّر عمر بن سعيد العبري مدير المكتبة، عن أهمية المكتبات العامة كمراكز إشعاع ثقافي، مشيرًا إلى أن الإقبال على المكتبة قد تزايد منذ افتتاحها، خصوصًا بين الطلبة الذين يحتاجون إلى مصادر للمعلومات. ومع ذلك، لاحظ انخفاضًا في عدد الزوار في السنوات الأخيرة، ربما بسبب توفر المعرفة عبر الإنترنت وتغير أنماط قضاء أوقات الفراغ.

وأضاف العبري: لقد تأثرت عادة القراءة بتطور التقنيات الرقمية، حيث أصبح الوصول إلى المعرفة متاحًا من خلال الكتب الصوتية ومنصات البودكاست، لكن تظل الكتب الورقية محبوبة لدى شريحة من القراء، مؤكدًا أهمية المكتبات في تحفيز المجتمع على القراءة من خلال تنظيم مسابقات وفعاليات ثقافية.

واختتم العبري بالتأكيد على أن المكتبات الأهلية، ومنها مكتبة وقف الحمراء، تعتمد على جهود المجتمع التطوعية، معبرًا عن تقديره للخطوات التي اتخذتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، مثل توفير نظام "آفاق المعرفة"، وأعرب عن أمله في توفير دعم مالي مستدام وموظفين دائمين لضمان استمرارية المكتبة في أداء رسالتها الثقافية.