المحافظات

الصندل بين الأصالة والجمال .. إرث عُماني متجدد

02 سبتمبر 2025
02 سبتمبر 2025

منذ قديم الأزل، كانت المرأة العُمانية تحتفظ بأسرار جمالها في صندوق صغير يعبق بعطر الصندل الذي يرتبط بحضورها في كل تفاصيل حياتها اليومية؛ فبرائحته الفريدة والعبقة شكّل الصندل جزءًا من تقاليد الجمال والعناية لدى المرأة العُمانية ولم يكن الصندل مجرد نبتة، بل هو رمز للأصالة وامتداد لعلاقة المرأة العُمانية بالطبيعة ومصادرها الغنية، مما جعله علامة بارزة في التراث العطري والجمالي الذي تتناقله الأجيال حتى يومنا هذا.

خشب الصندل والعلاقات العُمانية قديما

رغم أن شجرة الصندل لا تنمو في البيئة العُمانية بطبيعتها، إلا أن العُمانيين عرفوا هذه المادة النفيسة منذ قرون طويلة، وذلك بفضل موقع عُمان الإستراتيجي على خطوط التجارة البحرية التي ربطت الهند وشرق إفريقيا بالجزيرة العربية والخليج.

فقد كان ميناءا مسقط وصور وغيرهما من الموانئ النشطة محطة رئيسة لوصول الأخشاب العطرية الثمينة ومنها خشب الصندل، الذي اشتهرت به شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا.

وكانت القوافل والسفن العُمانية تجلب الصندل من الهند، وخاصة من منطقة ميسوروكيرلا، وكذلك من بعض جزر المحيط الهندي، وبعد وصوله إلى الموانئ، يُعاد توزيعه محليًا لاستخدامه في الطقوس الاجتماعية والجمالية، كما يُعاد تصديره إلى أسواق أخرى في الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، مما عزز مكانة عُمان كمركز للتجارة.

ووفقًا لمنظمة اليونسكو، استوردت عُمان على مر التاريخ خشب الصندل، إلى جانب الخشب الصلب مثل «الإبنوس» و«التيك»، وذلك لاستخدامها في الصناعات مثل بناء السفن وغيرها، ويقود هذا إلى تأكيد أن سلطنة عُمان اعتمدت على استيراد هذه المواد من مناطق مثل الهند وجزر الأندامان.

الصندل والمرأة العُمانية قديما

تروي لنا فاطمة الهميمية من سكان ولاية بهلا حكايتها عن الصندل العُماني في الماضي، حيث كانت طفلة صغيرة قبل خمسة وخمسين عاما فتقول: كنا نستيقظ الصباح على رائحة الصندل الممزوج بماء الورد والزعفران في إناء نحاسي صغير، وكانت أمي تضع لنا الصندل صباحًا كل يوم كجزء من عاداتنا اليومية، ويتم شراء الصندل الخام كقطع خشبية صغيرة بحجم الكف من التجار القادمين من ولاية مطرح، ويتم بيعه إلى نساء مختصات بـ«سياكة» حطب الصندل لجعله ناعمًا، ويقصد به هو حك خشب الصندل فيحجر مسطح لطحنه وجعله ناعمًا، وهي الطريقة المتبعة قديمًا وما زالت إلى يومنا هذا، وبعدها يتم مزجه مع الماء وتشكيله إلى قوالب تسمى بـ«الفقش»، ويباع بالقطعة، ويستخدم الصندل أيضًا لعلاج ارتفاع درجة الحرارة، فهو يعمل كمفعول السحر في تلطيف درجة حرارة الجسم مع ماء الورد، كما يتم صنع معطر من خشب الصندل قوامه يشبه المسحوق، ويسمى «الذريرة»، تستخدم للتعطير وهي عبارة عن مجموعة أعشاب عطرية جافة تخلط معًا مثل المحلب والصندل والزعفران والورد المحمدي وغيرها.

وتضيف الهميمية: ارتبط عبق خشب الصندل بكل المناسبات، فهو لا يقتصر على مناسبات الفرح كالأعراس وزيادة المواليد، بل يتعدى استخدامه في تجهيز الموتى، وقت تغسيلهم وتكفينهم، وهذا يعد من إكرام الميت لما له من خصائص تعقيمية وعطرية عبقة.

ولخشب الصندل استخدامات عطرية تتمثل في صنع البخور والعطور العُمانية، ونقلًا عن صحيفة «الخليج الإلكترونية» فتشير إلى أن هناك أنواعًا مختلفة من البخور وأكثر أنواعها مبيعًا هو «البخورالمعمول» الذي تعددت أوصافه وكثرت أنواعه وأخذت النسوة من المتخصصات في إنتاجه في التفنن لإيجاد تشكيلات مختلفة ومتنوعة وعلى مستوى متطور يحظى بشهرة واسعة، حتى إن تركيبة بعض هذه الأنواع تعد من الأسرار المهنية المكنونة التي لا يمكن الإفصاح عنها لأنها سر التميز، والبخور المعمول بطريقة خاصة هو عبارة عن نشارة مختلفة من الصندل أو العود تمزج بمواد عطرية فواحة زكية، وتوجد أصناف عالية الجودة وهي لا تعد إلا بطلب مسبق لارتفاع أثمانها ما أعطى ذلك شهرة واسعة للأطياب العُمانية وزاد الإقبال عليها وكثر طلبها وخاصة من دول مجلس التعاون الخليجي.

أما استخدام الصندل في صناعة العطور في سلطنة عُمان فقد لاقى رواجًا كبيرًا في الحاضر، فهو يدخل كمثبت رئيسي للعطور، ونقلًا عن مدونة العطور فقد ذكرت أن زيت خشب الصندل يتصف برائحة مميزة دافئة، كريمية ناعمة وخشبية ويعد من أفخر زيوت الأخشاب الثمينة الذي يمنح العطور رائحة أخاذة، كما أن استخدامه بنسب صغيرة في العطر، يجعله يعمل كمثبت للتركيبة العطرية بأكملها، مما يزيد من طول عمر المكونات العطرية الأخرى الأسرع تبخرًا في المركب ما يجعله نوتة أساسية رائعة.

بخلاف المتوقع عن رائحة خشب الصندل أنها رائحة خشبية بحتة، لكنها أيضًا تعتبر ترابية ذات رائحة حلوة ومنعشة.

ومن هنا، فإن الحفاظ على هذا الموروث ونقله للأجيال القادمة يُعد مسؤولية مشتركة، لأن الصندل ليس مجرد نبات أو سلعة، بل ذاكرة متجددة تختزن بين طياتها قصصًا من الأصالة والجمال، وتستحق أن تبقى شاهدة على عراقة الإنسان العُماني وقدرته على توظيف الطبيعة في صناعة هويته وحياته.

Image