حنان الفياض: الترجمة "قوة ناعمة" لمواجهة الصراعات والتحديات الراهنة
الدوحة ـ "العُمانية": تؤكد الأكاديمية القطَرية حنان الفياض، أن حركة الترجمة مهمة للإنسانية جمعاء، لأنها تسهم في إحداث نقلة في حياة المرء على مستوى التعليم وعلى مستوى الثقافة أيضًا، فضلًا عن أنها قادرة على مدّ الجسور بين الأنا والآخر. وتقول الفياض في حوار مع وكالة الأنباء العُمانية: إن الترجمة وسيلة مُثلى لتوسيع التعددية الثقافية التي تعدّ ضرورة ولا يمكن النظر إليها بوصفها ترفًا، وهي "قوة ناعمة لمواجهة الصراعات والتحديات التي نعيشها اليوم".
وتضيف المستشارة الإعلامية والناطقة الرسمية لجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في هذا السياق: "الترجمة في أحد صورها وأشكالها فعل ثقافيّ تثاقفي وفعلٌ معرفيّ، يجول فيه المترجم بين لغتين بل ثقافتين، نقلًا من إحداهما إلى الأخرى، والمترجم بذلك سفير الثقافة والوسيط بين الأمم والشعوب".
وترى أن العرب في وقتٍ أحوج ما يكونون فيه إلى تعزيز فعل الترجمة، بخاصة في ظل التحولات الرقمية التي تتطلب مواكبةً حثيثة على المستويات كافة، وهذا يستدعي "جهدًا تراكميًّا تشارك فيه المؤسسات الحكومية والأهلية والصروح الأكاديمية ومراكز الدراسات والأبحاث، إلى جانب الجهود الفردية"، إضافة إلى إثراء التخصصات المتصلة بالترجمة في الجامعات والمعاهد، فمن شأن هذا أن "يحافظ على لغتنا ويجعلها حاضرة في الفضاء التفاعلي الإنساني".
وتشير الفياض إلى دور الترجمة تاريخيًّا في بناء الإنسان معرفيًّا وتدشين نهضته في مستوياتها كافة؛ المادية والمعنوية، مؤكدة أن الترجمة التي شاعت خلال فترة انتعاش الحضارة العربية تعدّ من أهم الأسس التي بُنيت عليها تلك الحضارة، لهذا جاءت فكرة إطلاق جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي؛ لـ"بعث الروح من جديد في حركة الترجمة لتؤدي الدور نفسه الذي كانت تؤدّيه في العصور الذهبية للتاريخ العربي".
وترى أن مسار الجائزة التي يستمر باب الترشح والترشيح لدورتها العاشرة حتى نهاية مايو المُقبل، يسهم في وضع الكتاب العربي الجيد في الواجهة، لأن من أهم المعايير التي تعتمدها الجائزة أن يكون للعمل المرشح قيمة في الثقافة المترجَم منها (المصدر) وفي الثقافة المترجَم إليها (الهدف)، أيْ أن تكون له قيمة في الثقافتين معًا، كما "يجب أن يكون العمل قويًّا ورصينًا بما يكفي لينافس على الفوز".
وتلفت الفياض إلى أن الجائزة بفئاتها المختلفة لا تشجع المترجمين فقط، فهي تشجع الكُتّاب أيضًا، لأن إبداعاتهم الأدبية والبحثية ستنتقل إلى قرُّاء جدد بلغات أخرى، وستحظى بالمطالعات النقدية وبالمراجعات التي تسهم بدورها في تطوير تجربة الكاتب وأدواته.
وتوضح أن اهتمام الجائزة لا يقتصر على حركة الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، وإنما يمتد ليشمل أيضًا الترجمة من العربية لتلك اللغات، مضيفةً أن الجائزة تأسست على فكرة وجود لغة رئيسة ثابتة هي الإنجليزية، ولغة رئيسة أخرى تتغير كل عام، وهذا التغيير "يهدف إلى التجسير وتعزيز التواصل بين اللغة العربية ولغات العالم".
ووفقًا للفياض، فإن الجائزة "حرّكت الراكد في إنتاج الترجمة بالعالم العربي، وبخاصة أن فئاتها تتضمن الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات المختارة في كل دورة"، وهذا الأمر دفع المزيد من المترجمين للاهتمام بترجمة الكتب العربية، ويتضح أثر ذلك من خلال ازدياد عدد المشاركات.
وتؤكد الفياض أن أيّ إنجاز للمبدع لا يمكن أن يلقى رواجًا إن لم يحظَ بالرعاية المؤسسية وبالتحفيز والمتابعة، وهذا ما تفعله الجائزة؛ مشجّعةً المبدعين من خلال "المتابعة التحفيزية". وتشير إلى دور الجائزة في تكريم المترجمين وتقدير الدور الذي يضطلعون به في التثاقف الإنساني، وتحفيز دور النشر للاهتمام بعملية الترجمة وإغناء المكتبة العربية بالعديد من الأعمال المتنوعة من آدب العالم وثقافاته وفنونه، وتكريم الأفراد والمؤسسات والمساهمين في نشر الثقافة الداعية إلى التسامح والتفاهم الدولي.
وحول نهج الجائزة في تغيير اللّغات المستهدفة (باستثناء اللغة الإنجليزية) كلّ دورة، توضح الفياض أن اللغات يتم اختيارها استنادًا إلى تقارير يعدّها مختصون، يشرحون فيها حجم النشاط الترجمي من اللغة وإليها في السنوات الأخيرة، فإذا كان نشاط الترجمة من لغةٍ ما إلى العربية أو من العربية إليها كبيرًا أو نوعيًّا تقرر إدارة الجائزة إدراج هذه اللغة ضمن فئاتها المستهدفة لتلك الدورة، لتكريم جهود الفاعلين في حقل الترجمة.
وتشير الفياض إلى الاتفاقية التي وقعتها الجائزة مؤخرًا مع منظمة اليونسكو، لتعزيز التعاون في مجالات اللغة العربية والترجمة كأدوات فاعلة لبناء الجسور الثقافية بين المجتمعات. وتوضح أن التعاون يشمل الشراكة في الترجمة والنشر للمجلدات التي طورتها اليونسكو في إطار برنامج "طريق الحرير"، وذلك بهدف تيسير تبادل المعرفة والأفكار عبر الحدود اللغوية والثقافية، بالإضافة إلى تعزيز اللغة العربية من أجل التماسك الاجتماعي، عبر تنظيم فعاليات وحلقات عمل ومؤتمرات مشتركة. كما نصّت الاتفاقية على التعاون في تعزيز استخدام اللغة العربية والترجمة في مجال الذكاء الاصطناعي.