وقفات ثلاث..
1 ـ آمل أن يكون «قانون العمل» الجديد الذي أرى فيه خريطة طريق واضحة المعالم لحقوق وواجبات أطراف الإنتاج دافعًا ومحفزًا لانخراط المواطن في هذا القطاع الحيوي دون وجلِ أو خوف من تسريح أو مضايقات قد يعمدُ إليها صاحب المؤسسة أو المسؤول الوافد أو المجموعة المتنفذة لإجباره على ترك عمله والبحث عن آخر في القطاع العام لأن بيئة القطاع بذلك ستكون بصدوره جاذبة ومُحفزة ومستقرة.
مع اعتبار القانون الجديد العملَ حقًا للقوى العاملة الوطنية وتأكيد «تمكين العُماني في المناصب القيادية والإشرافية» وإصدار نصوص قانونية «تحدد حالات وشروط استقدام غير العمانيين» من شأنه أن يدفع بالمواطن الباحث عن وظيفة للعمل في هذا القطاع وهو مطمئن لمستقبله مقتنع بأنه سيحصل فيه على كافة حقوقه وسيُنصفُ كونه محميا الآن بالتشريعات المُنظِمة التي غايتها تحقيق أمنه الوظيفي واستقراره الأُسري.
2 ـ لم يأت الضجيج الذي أحدثه نظام التقييم الجديد في المؤسسات الحكومية وهو ما يعرف بـ«إجادة» بعد ظهور مؤشراته من فراغ لأنه وبحسب ردود أفعال غالبية الموظفين لم يكن دقيقًا ولا موضوعيًا ولا مُنصفًا.
ورغم أن ردات الفعل التي ظهرت عبر وُسوم وتعليقات وفيديوهات جاءت مُتهكِمة وساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه يجب اعتبارها «طبيعية» كون النظام لم يزل بعد غير مألوف وهو يطبق للمرة الأولى وقابل لإدخال التعديلات لكنني أتمنى ألا يترك ثغرة ولو صغيرة تتدخل من خلالها أيدي ضعاف النفوس للمساس بحقوق الموظف الجاد والمخلص.. ألا نفتح بابًا بطريقة «تبدو قانونية» للمحسوبية والمجاملات فتفسد كل المنظومة وتتداعى فكرة الإصلاح المنشودة.
3 ـ يقول الفيلسوف الكندي (آلان دونو) في كتابه الشهير (نظام التفاهة): «أعتقد أنه يمكن تدنيس العقل بشكل دائم من خلال عادة الاهتمام بأشياء تافهة».
وأنا هنا لست بصدد تقديم تحليل لكتاب دونو الذي يشرح خلاله أدوات هذا النظام وأغراضه وهي «الهيمنة» عبر استخدام أشخاص تافهين «وكيف يبسط هؤلاء التافهون نفوذهم لإحكام السيطرة رغم أنها ظاهرة غاية في الخطورة تُسمِمُ أي بيئة عمل وتُحبط أعتى الهِمَم لأنها تفرض الحمقى وأنصاف الفاهمين فرضًا».. إنما بصدد تقديم صور مختلفة للتفاهة على المستوى الاجتماعي، حيث يتفنن الناس في ابتكار أساليب وصور تجعلهم تحت طائلة هذه الصفة وإن أتت تحت مسميات تعكس ظاهريًا «التطور» و«الانفتاح».
من هذه الصور تصوير الأزواج لحياتهم الخاصة داخل غرف النوم وإقامة حفلات «تشخيص جنس الجنين» و«حفلات» بدء مرحلة اعتماد الطفل على نفسه في الذهاب إلى «دورة المياه» التي يُحتفى بها جميعًا بذبح الأغنام والأبقار والجِمال وسط ظروف مادية متردية ودعم لا توفره إلا القروض الشخصية والبنكية... صور تُظهر كم هو البعض ساذج بعيد كل البُعد عن واقع الحياة الآخذ حالها في التقلب والاضطراب.
آخر نقطة..
«الزمن» وحده كفيل بكشف حقيقة من نعتقد أننا نعرفهم، إنه الأداة المُجَربة لامتحان أصدقاء المقاهي من الذين عندما «يبتليهم» الله سبحانه وتعالى بالسُلطة والمال يهربون عند أول غارة. الأيام لا سواها جديرة بإثبات أن الخسارة الحقيقية هي خسارة أنفسنا وقِيمنا، أن نفشل في أن نكون ما نريد.
عمر العبري كاتب عماني
