نظام صندوق الحماية الاجتماعية.. بديل مستدام
لطالما كان مفهوم الحماية الاجتماعية موجودا في التشريعات والإجراءات الحكومية بسلطنة عمان ومع تردّد هذا المفهوم كثيرا في شبكات التواصل الاجتماعي منذ أن أصدر جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- المرسوم السلطاني رقم (33/ 2021) في شأن أنظمة التقاعد والحماية الاجتماعية زادت وتيرة التفاعل مع مفهوم الحماية الاجتماعية خلال العامين الماضيين التي تتوافق مع رؤية الحكومة بقيادة جلالته -أعزه الله- ببناء مجتمع تسود فيه العدالة بين الموظفين في مختلف الجهات الحكومية، وتعظّم من خلاله إيرادات صناديق التقاعد المختلفة إضافة إلى توحيد أنظمة التأمين الاجتماعي في كافة قطاعات العمل وإيجاد (صندوق) مركزي أكثر كفاءة وقدرة على تقديم الخدمات العامة وتنمية أصول منظومة الحماية الاجتماعية من خلال تجويد الإنفاق وضبطه والاستفادة من جوانبها الإيجابية واستثماراتها المتباينة في إيجاد نظام موحّد لصندوق الحماية الاجتماعية بأداء محوكم يتناسق مع الرؤية المستقبلية لسلطنة عمان 2040.
ومع صدور نظام صندوق الحماية الاجتماعية بالمرسوم السلطاني السامي (50/ 2023) بشأن إصدار نظام صندوق الحماية الاجتماعية أصبح مفهوم الحماية الاجتماعية مؤطرا ضمن نظام محدد وبيّن لكافة المستفيدين من هذا النظام ليحدد أهداف واختصاصات التنظيم الإداري للصندوق الذي سيكون الجهة الاعتبارية المعنية بوضع أحكام قانون الحماية الاجتماعية موضع التنفيذ بعد صدوره؛ إذ إن وجود صندوق الحماية الاجتماعية وصدور نظامه هو بحد ذاته رسالة اطمئنان للموظفين في مختلف الوحدات الحكومية مضمونها بأن جميع الموظفين متساوون في الحقوق والواجبات مع عدم الإغفال عن مراقبة أدائهم وتقييمه وتقويمه وذلك بهدف تجويد الأداء الحكومي وضبط المتقاعسين عن أداء مهامهم المنوطة بهم؛ فالعدالة بين الموظفين كافة أصبحت واقعا، ولا ينبغي من الآن وصاعدا أن يشعر الموظف باختلاف المنافع التقاعدية أو الامتيازات بين مختلف الجهات الحكومية لأن قانون الحماية الاجتماعية وتوحيد أنظمة التقاعد جاءت لتعالج هذه التحديات وتحد منها وذلك بموجب المرسوم السلطاني الذي أوضح بأنه ستنتقل إلى صندوق الحماية الاجتماعية كافة أصول والتزامات كل من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، وصندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية، وصندوق تقاعد موظفي وزارة الدفاع، وصندوق تقاعد شرطة عُمان السلطانية، وصندوق تقاعد الحرس السلطاني العُماني، وصندوق تقاعد قوة السلطان الخاصة، وصندوق تقاعد جهاز الأمن الداخلي، وصندوق تقاعد ديوان البلاط السلطاني، أيضا ستنتقل إلى صندوق الحماية الاجتماعية التزامات وأصول كل من برنامجي تقاعد شركة تنمية نفط عمان وتقاعد البنك المركزي العُماني، وبذلك سيتم دمج الأحد عشر نظاما تقاعديا حاليا بأصولها والتزاماتها في كيان واحد فقط.
فاستدامة صندوق الحماية الاجتماعية وديمومته وتعظيم استثماراته وحوكمة أدائه سيسهم في تحقيق رؤية الحكومة وسياستها وبرامجها المتعلقة بالحماية الاجتماعية وسيساعد على ضمان توفير التغطية والحماية الاجتماعية اللائقة والعادلة والكافية لمختلف فئات المجتمع مما سيعزز من فرص إنشاء منظومة متكاملة ومستدامة للحماية الاجتماعية وإدارة موارد الصندوق واستثمارها وتعظيم قيمتها وإيراداتها إضافة إلى القدرة على مواءمة الالتزامات الحالية للصندوق والمستقبلية أيضا لصالح المستحقين، خاصة أن أحد أهداف صندوق الحماية الاجتماعية إيجاد أدوات ادخار وبرامج مساندة لتعزيز الحماية الاجتماعية ومتابعة قياس أداء جميع برامج الحماية الاجتماعية النقدية منها وغير النقدية، وبذلك يكون الصندوق قادرا على إدارة شؤونه المالية والاستثمارية والوفاء بالتزاماته تجاه المستحقين وفق دراسات ممنهجة ومحكمة تخضع للتقييم والتطوير باستمرار، علاوة على ذلك أن ما يميّز إصدار نظام صندوق الحماية الاجتماعية أن الدافع وراء تنقّل الموظفين بين الجهات الحكومية للاستفادة من الامتيازات ومنافع صناديق التقاعد لم يعد مبررا مقنعا فجميع الموظفين أصبحوا متساوين في الحقوق والمنافع وجميعهم يخضعون لنظام تقاعدي موحّد ولنظام حماية اجتماعية واحد فقط، وبالتالي فإن صندوق الحماية الاجتماعية سيكون الجهة المختصة بإدارة جميع برامج التأمين الاجتماعي وبرامج منافع الحماية الاجتماعية في سلطنة عُمان، ومن المتوقع أن يكون عدد المؤمن عليهم في برامج التأمين بالصندوق فور انتهاء الدمج حوالي 830 ألف مشترك بينهم 180 ألف متقاعد، أيضا سيتجاوز عدد منتفعي برامج المنافع النقدية في الصندوق ضمن الخدمات التي يقدمها صندوق الحماية الاجتماعية لهم سيتجاوز 1.5 مليون مواطن منتفع بعد بدء العمل بهذه البرامج بعد صدور قانون الحماية الاجتماعية.
إن الجانب المشرق والاستشرافي في صندوق الحماية الاجتماعية يتمثّل في أنه سيشمل في اختصاصاته المساهمة في رسم استراتيجيات برامج الحماية الاجتماعية وسياساتها إضافة إلى تعزيزها من حيث المزايا والفئات المغطّاة مع إدارة هذه البرامج وتقييم فاعليتها واستثمار أموالها لما يحقق العائد المتوقّع منها، أيضا يختص الصندوق بتقييم أداء جميع برامج الحماية الاجتماعية وخدماتها وسياسات الرعاية الخاصة بها والتمكين والإدماج والتأهيل والدعم المرتبطة بها بالتنسيق مع الجهات المعنية والقائمة عليها لتجويدها ومواءمتها مع بقية المبادرات ذات الصلة، كذلك من الجوانب الإيجابية في دمج أنظمة صناديق التقاعد في نظام واحد هو الاستفادة من الخبرة والكفاء التي يتمتع بها بعض موظفي الصناديق في تعظيم الاستثمارات والإيرادات ودراسة المخاطر الاكتوارية لبعضها والاستفادة أيضا في اختيار الاستثمار الناجح ذي العائد المادي المجزي لتقوية الموقف المالي عبر إعادة تقييم بعض الاستثمارات للتخارج منها في حال عدم تحقيقها العائد المادي المأمول منها خاصة أنه سيتولى إدارة صندوق الحماية الاجتماعية وتنظيم شؤونه مجلس إدارة تتكوّن عضويّته من ممثلين عن وحدات الجهاز الإداري للدولة، وغرفة وتجارة صناعة عُمان، والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان، وأعضاء مستقلين وذلك بما يتوافق مع أفضل ممارسات الحوكمة ومتطلبات التمثيل الثلاثي لمنظومات التأمين الاجتماعي والحماية.
ختاما.. من المتوقّع صدور قانون الحماية الاجتماعية قريبا، وينبغي لنا عدم الانجرار خلف الآراء الشخصية التي لا تستند إلى معلومات مكتملة أو دقيقة، كذلك من الجيد أن نكون على ثقة تامة بأن نظام الحماية الاجتماعية سيحقق النتائج المرجوة منه وسيسهم في تحقيق أهداف عدة منها: تحقيق العدالة في منافع التقاعد بين الموظفين وتحقيق العدالة الاجتماعية التي بدورها ستحسّن من مستوى الرفاه الاجتماعي وهو بديل مستدام لأنظمة التقاعد السابقة، والله الموفق.
