الاستهلاك في شهر رمضان
يعد شهر رمضان من أفضل شهور العام، فهو شهر عبادة وصيام وقيام وتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى وشهر أنزل فيه القرآن الكريم، حيث يقول الله عزّ وجل في كتابه العزيز: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»، وفيه ليلة القدر وهي ليلة خير من ألف شهر وفضلها كبير لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»، وشهر رمضان المبارك يأتينا مرة واحدة في السنة وهو فرصة لمراجعة الذات والصبر على الجوع والعطش لاستشعار نعمة الطعام والشراب التي منّ الله عزّ وجل علينا والتفكير في الذين لا يجدون قوت يومهم أو يواجهون تحديات في الحصول على مستوى مرتفع من الرفاه المادي إلا أن كثيرا من الناس وللأسف الشديد تجدهم يرمون كميات من الطعام في حاويات القمامة يوميا خلال شهر رمضان وذلك لقيامهم بتحضير شتى أصناف الطعام فوق حاجتهم قبيل الإفطار؛ فاستشعار النعمة من صفات المسلم التي ينبغي أن يتحلى بها وليس من أخلاقه التبذير والإسراف في إعداد موائد الطعام في الوقت الذي يعاني فيه الفقراء والمساكين من ضعف في القدرة على توفير قوت يومهم واحتواء جوعهم وجفاف ريقهم، فأحد أهداف الصيام من وجهة نظر دينية وشرعية الاقتصاد في الاستهلاك والإحساس بمن لا يملكون الطعام الكافي يوميا، فنحن أمام عادات وسلوكيات أصبحت غير محبّذة مجتمعيا ولا ينبغي أن تستمر بسبب أنها تثقل كاهل رب الأسرة ماديا وتؤثر على الحصول على متطلبات الحياة الاجتماعية عموما مع مرور الوقت، ففضائل شهر رمضان المبارك كثيرة ولا ينبغي أن تلهينا موائد الطعام وكثرة التسوّق والتبضّع لإعداد شتى أصناف المأكولات، وتشير الإحصائيات إلى أن استهلاك الأفراد من الطعام يتضاعف في رمضان مقارنة ببقية الشهور الأخرى بالرغم من فترة الصيام الطويلة التي تصل إلى أكثر من 13 ساعة يوميا، فرمضان الذي ننتظره كل سنة هو فرصة لتعظيم الأجر والثواب والأعمال الصالحة والابتعاد عن المعاصي والمغريات الدنيوية وهو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتقيّد الشياطين لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ»، ولذلك من الضروري والمهم أن تتغير عاداتنا الاستهلاكية في شهر رمضان ونبتعد عن المبالغة في إعداد الأطعمة التي للأسف مصيرها صناديق القمامة، فنحن بحاجة إلى الترشيد في الاستهلاك والالتزام بالوسطية التي أمرنا بها ديننا الإسلامي.
إن الصرف الكبير على شراء المواد الاستهلاكية وتقديم الموائد ذات الأصناف المتنوعة يعد من العادات الاستهلاكية السيئة التي ينبغي الوقوف عليها ودراستها لضمان عدم استمرارها وذلك لما لها من تأثيرات سلبية مباشرة على دخل الأسرة إضافة إلى دورها في إشغال المسلمين عن تأدية العبادات خلال شهر رمضان؛ إذ لا بد أن يبدأ الوعي بضرورة التوسّط في الإنفاق بدءًا من البيت ومرورا بمؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات والأندية وصولا لتكثيف الأنشطة الهادفة إلى رفع مستوى وعي الأفراد بأهمية الترشيد في الإنفاق، ولنكن صرحاء أنه لا يمكن أن تنجح جهود الحد من شراهة التسوق في رمضان ما لم يستشعر الأفراد أهمية النعمة ومخاطر زوالها، خاصة أن هذه السلوكيات تتكرر سنويا في شهر رمضان، وهنا لا بد من تدخّل رب الأسرة في ضبط المصروفات في رمضان وأن يكون الشراء بقدر الحاجة عوضا عن التسوّق العشوائي لشراء المواد غير الضرورية أو ما تسمى بالمواد التكميلية التي تتوفر لها بدائل في السوق مثل شراء منتج محدد بسعر مرتفع من إنتاج شركة معينة بالرغم من وجود نفس المنتج من إنتاج شركة أخرى بسعر منخفض أو الانقياد خلف الرغبات الشخصية للإصرار على شراء منتج بعينه حتى لو كان سعره مرتفعا، وحقيقة لا ننكر تأثير الإعلانات الترويجية التي يقوم بها ما يطلق عليهم «المشاهير» في شبكات التواصل الاجتماعي على شرائح المجتمع على بعض المنتجات والخدمات مما تساعد الناس على عدم التوسط في الإنفاق، ومع قرب حلول عيد الفطر المبارك واستمرار شراهة أفراد المجتمع على التسوّق فإنه تقع على رب الأسرة مسؤولية كبيرة لضبط النفقات وتسخير أمواله ومداخيله لشراء المستلزمات الضرورية في الأيام المتبقية من شهر رمضان وفي أيام عيد الفطر حتى لا يتضرر ماديا ولا يضطر للاستدانة لتلبية رغبات الأسرة الشخصية المبنية على العاطفة وتقليد الغير عند التسوّق.
أخيرا.. إن إدارة المحفظة المالية للأسرة يتطلب التفريق بين الحاجيات والمتطلبات الأسرية اليومية وهنا ينبغي الاستفادة من تطبيقات بعض أنواع الاقتصاد مثل الاقتصاد التشاركي الذي يساعد كثيرا في الاستفادة من الأصول غير المستخدمة التي كلّفت الأسر مبالغ باهظة إضافة إلى ضرورة توجيه الأبناء بالتوسط في الإنفاق عبر متابعة البرامج التلفزيونية التوعوية التي ترسّخ وسطية الإنفاق والابتعاد عن التبذير، وكما يقال «لا تسرف ولو من البحر تغرف».
