الشباب الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي

06 مارس 2023
06 مارس 2023

تعد وسائل التواصل الاجتماعي إحدى أدوات التواصل ومد جسور الحوار بين الأشخاص رغم بعد المسافة واختلاف اللغات والثقافات ساعد على ذلك التطور التكنولوجي المتسارع وشدة إيمان الأشخاص بأهمية شبكات التواصل الاجتماعي في حياتهم اليومية واقتناعهم كثيرا بأنها إحدى الوسائل السريعة لتبادل وجهات النظر والخوض في نقاشات حول الموضوعات إضافة إلى إمكانية نقد الأحداث والمواقف وتحليلها.

وكون الشباب -مرحلة عمرية محددة بين مراحل العمر وهي مرحلة يكتسب الشباب مهارات الإنسانية واحدة بعد الأخرى- هم الفئة الأكثر استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي فإنه من المسلم به أن تحدث بعض التغيرات على حياتهم اليومية أبرزها ضعف المشاركة في المناسبات الاجتماعية، واكتساب بعض السلوكيات غير المحبّذة في المجتمع بسبب تأثرهم بما يدور في منصات التواصل الاجتماعي، فهذا العالم الافتراضي حقق للشباب احتياجاته ومتطلباته في ظل غياب عالم مرافق على أرض الواقع يحتويهم، ويشبع احتياجاتهم المادية والمعنوية والنفسية ورغم أن البعض يرى أن مرحلة الشباب هي حالة نفسية مصاحبة تمر بالإنسان وتتميز بالحيوية والنشاط وأكثر مراحل العمر تقبلا للتغير والتطور وكل ما هو جديد، إلا أن هناك إجماعا بوجود تأثير اجتماعي لمواقع التواصل الاجتماعي على الشباب، فقد أكدت دراسات أن شبكات التواصل الاجتماعي تساعد الشباب على إشباع الحاجات الاندماجية والوجدانية كونها أدوات تتيح لهم ممارسة ما يشعرون به، وأنها غيرت من طبيعة العلاقة التي تربطهم مع أصدقائهم وعائلاتهم وزملائهم وهي فرصة لإنشاء الهوية الافتراضية كون أن مرحلة الشباب والمراهقة تتسم بتحولات نفسية واجتماعية وجسدية تجعل من الشباب غير متوازن نفسيا وعرضة للتقلبات وهذا ما يلفت الآخرين إليه ليبرز وجوده واستقلاله وفقا لما أكدته كثير من الدراسات، كذلك أصبح الشباب يأنسون شبكات التواصل الاجتماعي كثيرا وذلك لدورها في ملء أوقات الفراغ عبر تكوين صداقات وعلاقات عاطفية مع الآخرين غالبا ما تدوم طويلا إضافة إلى الدخول إلى الألعاب الإلكترونية خاصة تلك التي تساعد على التواصل بينهم إلا أن هناك مخاوف من إشغال الشباب والجمهور عن قضاياهم الوطنية الأساسية.

بالرغم من الانتقاد الموجه للشباب نتيجة إدمانهم على الإنترنت لساعات طويلة التي أصبحت جزءا من حياتهم اليومية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هناك مميزات للشباب الرقمي مثل قدرتهم على القيام بأكثر من مهمة في آنٍ واحدٍ والتميّز بقدرات بصرية مذهلة عبر التعامل مع الألوان تلقائيا وتدرّبهم على الإبداع والابتكار؛ إذ أصبح واضحا أن الشباب الرقمي لديهم مقوّمات عقلية ونفسية تميّزهم عن غيرهم من الشباب لكن في المقابل أصبحوا سطحيين في التعامل مع الموضوعات وعند خوض النقاشات مع الآخرين اكتسبوا مهارات تتجه غالبيتها نحو الترفيه والتواصل مع رصد بعض الانحرافات السلوكية والأخلاقية عند بعضهم جراء تلقيهم محتوى غير مفلتر مليء بالمعلومات المضللة وبالحقائق المزيّفة مما أدى لأن يكونوا جزءا من آراء الآخرين، ومع فاعلية وسائل الإعلام الرسمية والخاصة وتفنيدها لكثير من الأخبار والمعلومات المتداولة لم تنجح شبكات التواصل الاجتماعي في غزو الفكر البشري وتحويله لأداة متحكّم بها ولم تستطع أن تحرّك مشاعره وتهيّج عواطفه وذلك لثقة الجمهور المطلقة بما يبثّه الإعلام الرسمي خاصة الموضوعات التي ترتبط بمستقبل الأشخاص وتؤثر على حياته الاجتماعية اليومية، حتى مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة متابعيها ومرتاديها إضافة إلى تنوّع مميزاتها التي ربما تتوافق مع الاحتياجات الفطرية للأفراد إلا أن ثقة الجمهور بوسائل الإعلام الرسمية على وجه الخصوص مستمرة وثابتة لم تنخفض بل واصلت الارتفاع في مواقف ومناسبات عديدة، ونستذكر جميعا شغف الجمهور لمتابعة ما ينشر في وسائل الإعلام الرسمية من مستجدات جائحة كوفيد-19 وتطوراتها وتأثيراتها على الاقتصاد وكيفية التفاعل مع الآثار الاجتماعية والنفسية جراء تفشي الفيروس على نطاق واسع في سلطنة عُمان بالرغم من تسابق حسابات عديدة في شبكات التواصل الاجتماعي على نشر المستجدات بشأن الجائحة وينتهي أخيرا بنفيه كشائعة أثارت الذعر في نفوس أفراد المجتمع.

إن تطوير الشباب في الجانب الرقمي أصبح بالغ الأهمية مع كثرة وجود المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالشباب الرقمي التي ربما يتم فهمها بشكل مغلوط وتؤدي لنتائج عكسية على الشباب وربما تفقدهم المهارات الرقمية اللازمة لوظائف المستقبل؛ إذ يتطلب إجراء المزيد من البحوث والدراسات وتنفيذ الاستطلاعات لوضع المقترحات والحلول إضافة إلى تكاتف الجهات المعنية لوضع استراتيجية تتضمّن خططا تنفيذية بهدف المساعدة على تنمية المهارات الرقمية للشباب عبر دعوة الموهوبين من الشباب لتنظيم حملات إعلامية وتوعوية بغرض توعية أفراد المجتمع بأهمية الجانب الرقمي ومدى توافقه مع الخطط المستقبلية حتى لو تطلب الأمر إعداد مسابقات بجوائز مغرية لتشجيع الشباب على ضرورة تطوير مهاراتهم وصقل هواياتهم للإسهام في إيجاد حلول مبتكرة ونماذج جديدة للتعامل مع التحديات التي تواجه المجتمعات خاصة في الجانب الرقمي، وربما أحد الحلول للتعامل مع الشباب الرقمي والاستفادة من مهاراتهم هو إطلاق تطبيق إلكتروني يقدم خدمات استشارية في الجانب الرقمي عبر مجموعة من الشباب الموهوبين في المجال الرقمي والتقني بهدف الاستفادة من خبراتهم في تقديم الحلول الرقمية وإيجاد المعالجات لبعض التحديات التقنية إضافة إلى نقل المعارف الرقمية لأفراد المجتمع وتأهيلهم لإعدادهم جيدا لوظائف المستقبل الرقمية وتقديم الحلول لمعاناة المجتمع من شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت خطرا يهدد المجتمعات نتيجة الاستخدام السلبي لها من قبل مختلف شرائح المجتمع.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي