الإعلام والرأي العام

27 فبراير 2023
27 فبراير 2023

من الموضوعات التي تحظى باهتمام كبير لدى المهتمين بسيكولوجية الاتصال الجماهيري والعاملين في مجال الإعلام والاتصال هو كيفية فهم الرأي العام وتشكّله وتوجهّاته والأهم من ذلك هو هل هناك رأي عام في وسائل التواصل الاجتماعي أم أن شبكات التواصل الاجتماعي تمثّل الهاجس العام أو الاتجاه العام؟ ولماذا تتم الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل مع الموضوعات بالرغم من توفّر المعلومة في وسائل الإعلام الرسمية؟ ربما يبدو الأمر نسبيا في الاهتمام بين العاملين في المجال الإعلامي والاتصالي وبين الدارسين للمجال والباحثين في الشأن الإعلامي والاتصال الجماهيري، ولكن في جميع الأحوال يعد الرأي العام أحد الموضوعات الجديرة بالاهتمام، ويتطلب مزيدا من الدراسات والبحوث الإعلامية بغرض توفير فهم عميق لإزالة بعض التعقيدات المرتبطة بسياق صياغة الرأي العام وتكوّنه؛ لأن الإعلام يهتم ببناء المجتمع وهو المسؤول عن نقل الصورة الحقيقية للمجتمع، وإبعاد كل المحاولات لإرباك العملية الاتصالية بين المصدر والجماهير.

وبما أن هناك مؤثرات ومتغيرات تطرأ على المجتمع عبر تدفق كثير من المعلومات والبيانات في شبكات التواصل الاجتماعي من الطبيعي أن تنشأ حالة من التردد والارتباك في مسار تربية النشء وفقا لمتطلبات التربية الإعلامية وترسيخ مبادئها، وما تحويها من سلوكيات حميدة وأخلاق فاضلة. وهنا ينبغي ضمان استمرار العملية الاتصالية بين فئة النخب والجمهور المتلقي للمعلومة المستهدف من عملية الاتصال؛ إذ إن جوهر العملية الإعلامية يقوم دائما على الاتصال أو التواصل وتوصيل المعلومات على نطاق واسع كما أشار عالم الاجتماع الأمريكي الشهير تشارلز رايت ميلز في كتابه الشهير The Power Elite «إن جانبا يسيرا فقط مما نعرفه عن الحقائق الاجتماعية عن العالم توصلنا إليه بأنفسنا وبطريق مباشر، بينما معظم التصورات والأخيلة التي في أدمغتنا عن العالم وصلت إلينا من طريق وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري». وهناك كثير من التعريفات للرأي العام إلا أن التعريف السائد والرائج هو أن الرأي العام يعبّر عن «مجمل وجهات النظر وردود الأفعال والاتجاهات والمعتقدات الفردية التي تعتنقها نسبة لها دلالتها من أعضاء المجتمع حول موضوع معين على وجه الخصوص». وبما أن الرأي العام يعبّر عن رأي الأغلبية أو الجماعة فإنه لا يمكن الاعتداد به ما لم تتحقق فيه شروط الحوار المبني على احترام الآراء وفهم المنطلقات وتعزيز أساليب النقد من أجل التحليل وتقبّل الاختلافات في وجهات النظر ووضع الحلول والمقترحات وليس من أجل التلقين وفرض الرأي الواحد وإقصاء آراء الآخرين.

لقد أدى التطوّر في وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية إلى أن تصبح جزءا من حياتنا اليومية رغم وجود أصوات تحث على تقنين استخدامها وحوكمة ما ينشر عبرها لكن من المسلم به أن انتشار منصات التواصل الاجتماعي وزيادة عدد مستخدميها يوميا يشير إلى أن الأشخاص يميلون إلى استقصاء المعلومات سريعا ونقلها دون التأكد منها أو إدراك خطورة تأثيرها على المجتمعات وتشكّلها إلا أن الخطر الأكبر من وجهة نظري هو أن مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي أصبحوا انتقائيين في تلقي الرسائل الإعلامية وفقا لمعايير حددت لهم من قبل الفاعلين أو المؤثرين أو الرغبات والأهواء الشخصية، وهنا يتطلب تدخلا عاجلا لترسيخ أسس التربية الإعلامية غير المعتمدة على جملة من المصطلحات والنظريات بشأنها بل على التحليل الإعلامي الذي يدفع المتابع والمتلقي لطرح الأسئلة حول كل ما يتلقاه من حيث جدواه وعدمه وفوائده وسلبياته بطريقة صحيحة شريطة ألا يعتمد السؤال على العاطفة ودون أن يخرج عن سياق موضوع النقاش لكن لنكن واقعيين، وإن كانت شبكات التواصل الاجتماعي تملك قوى فعّالة ومؤثرة على المجتمعات إيجابا أو سلبا التي تدخل على حياتنا اليومية عبر أساليب الإقناع التي تنتهجها لتمرير بعض الأفكار سواء بشكل صريح أو بشكل خفي تؤثر على سلوكيات الأشخاص وممارساتهم، إلا أن لدى كثير من متابعي شبكات التواصل يقاومون تلك المؤثرات وتغيير القناعات ولكن مع تنوّع طرق الإغراءات وتلبية الرغبات في منصات التواصل الاجتماعي يبدأ العقل البشري لا إراديا في إضعاف درجة المقاومة حتى تتلاشى بسبب تكرار تلقي المؤثرات وتنوّع مصادرها وهنا ربما ينشأ خطر أكبر وهو الازدواجية في سلوكه وموقفه من الحياة نتيجة انفصال الفرد بأفكاره وآرائه المكتسبة عن واقع الحياة الذي يحيط به، ولذلك فإن أغلب التغييرات التي تطرأ في المجتمع لا يمكن فهمها إلا عن طريق وسائل الإعلام فمثلا الصحيفة أو الجريدة اليومية تتيح للأشخاص فرصة أكبر للتحليل والتأمل وبالتالي هناك قابلية للقبول أو الرفض أما التلفزيون فيتميز بسهولة نقل المعلومة للجماهير بشكل سلس ويسر ومتوّفر في كل مكان ومتابعيه يثقون في كل ما يقدمه من برامج وأخبار ويستهدف كافة شرائح المجتمع وهو أيضا المصدر الرسمي لكثير من الأحداث والفعاليات والمناشط سواء المحلية أو الخارجية.

بالرغم من اختلاف المواد الإعلامية وتباينها بين وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وافتقار كثير من المعلومات أساسيات صناعة الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي إضافة إلى الإحصائيات التي تشير إلى أن عدد مرتادي منصات التواصل الاجتماعي في ازدياد مستمر إلا أن ثقة الجمهور في وسائل الإعلام أكبر وفقا للمؤشرات والاستطلاعات التي نتابعها ونرصدها باستمرار ومع ذلك فإن تكوّن الرأي العام وإثباته يحتاج إلى المزيد من الدراسات الميدانية والبحوث لاستقصائه، أيضا على أفراد المجتمع أن يكونوا على درجة كبيرة من الوعي والمسؤولية وألا يكونوا جزءًا من الرأي العام الذي يمثّل رأي الأقلية دون أن يكون هناك رأي للأغلبية؛ إذ إن الرأي العام المعتمد على الآراء والأهواء والمصالح الشخصية لا يمكن إطلاق عليه رأيا عاما بل هو اتجاه عام يعمل على إضعاف الثقة وتفكيك التماسك والتعاون المجتمعي ولذلك أصبحت التربية الإعلامية أحد الحلول السريعة والناجعة لتعزيز أسس المواطنة الصالحة وترسيخها في أفراد المجتمع عموما وتثقيفهم بطريقة تكسبهم الثقة بالنفس وتبعدهم عن الانقياد خلف الآراء الفردية المبنية على مصالح شخصية لأن التعليم يفتح آفاقا للفكر، ويشجّع على الاستفادة من وسائل الإعلام المتاحة مثل الصحف والمجلات والتلفزيون والإذاعة فهي طريق للبحث عن المعلومة الصحيحة والدقيقة ومنهج تربوي يسهم في ضمان استمرار التربية الإعلامية المنشودة وترسيخ تطبيقاتها.