عذر أقبح من ذنب..
لا أجد لأولئك الذين يستهويهم اللعب في الماء العكِر أي حق في إلقائهم باللائمة على ما يسمونه بالوضع العام في ظهور بعض الممارسات الفردية «المستهجنة» التي بدأت تطفو على السطح خلال الفترة الأخيرة وأبرزها بحسب مشاهداتي التحايل والتسول والانتهازية تلك المُدانة أخلاقيا واجتماعيا وتجرمها مختلف القوانين والأعراف.
وأقول هنا ممارسات فردية لأنها في الحقيقة تمثل الشخص الذي يقوم بها و لا تمثل المجتمع الذي يقف على أرضية ثابتة من المبادئ والقيم والأخلاق.
سأكون مباشرًا للغاية وأقول إنه لا مبرر لفعل سلبي ومُشين كالسرقة مثلًا أو أي تصرف يدخل في هذا السياق إلا في حالات خاصة جدًا أجازها الفقهاء وهي نادرة في مجتمعنا كأن يسرق الشخص ليأكل ولأن الجوع سيودي بحياته ويدفعه للهلاك أو أن يسطو على محل للملابس حتى يقي نفسه مذلة العُري وينطبق ذلك على فعلِ كأكل الميتة الواضح حكمه في النص القرآني.
لا مبرر مطلقًا لأن يدخل شاب مقهى ويطلب القهوة مع وجبة إفطار كاملة ثم يغادر من الباب الخلفي بحجة أنه لا يملك ثمن القهوة وأنه لم يتحصل على عمل حكومي وأن ذلك يبيح له القيام بمثل هذا الفعل حتى وإن اقتطع ذلك المبلغ من راتب ابن بلده الذي قدم له الخدمة أو من راتب المغترب الذي جاء ليبحث عن لقمة عيشه في بلادنا فهو لن يفارق الحياة إذا لم يتناول القهوة.
ما لا يمكن قبوله أو تبريره أن يقوم شاب قادر على العمل بتضليل صاحب محل يبيع أسطوانات الغاز ويخطف إحداها في غفلة منه أو أن يتهرب آخر من دفع ثمن الحلاقة وعندما يتم التحقق لمعرفة أسبابهما تأتي الإجابة الممجوجة نفسها أنهما لا يحتكمان إلى راتب شهري وأن أسرتيهما ضعيفتان ماديا وأنهما ما زالا منذ سنوات يبحثان عن عمل وهي حجج واهية لا مسوغ لها في ظِل التسارع الملحوظ في نمو التوظيف بمختلف القطاعات المدنية والعسكرية والقطاع الخاص.
وأنا أبحث عن آخر مؤشرات التوظيف في سلطنة عُمان قرأت تقريرا للنمو صادرا حديثا عن شركة «كوبر فيتش» ومقرها دبي حول نمو نسب التوظيف في مجلس دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقد أشار التقرير إلى أن التوظيف في سلطنة عُمان نما بمعدل 12 بالمائة خلال النصف الثاني من العام المنصرم 2021م.
ولا غرو أن وجود سلطنة عُمان في المركز الثاني بحسب التقرير وفي مؤشر مهم كالتوظيف يقدم صورة جلية وواضحة لحجم الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل توفير الحياة الكريمة للمواطن وهي تسابق الزمن لتحقيق رؤاها قصيرة وبعيدة المدى ضمن استراتيجية 2040 الشاملة.
وإذا كنت قد أوردت في بداية مقالي أمثلة لفئة ضئيلة أعدُها سلبية في المجتمع وهي لا تمثل إلا نفسها كما أسلفت فإن بيننا من الشباب المكافح من يجب أن نقف لهم احترامًا أولئك الذين يشقون طريقهم بكل جدية وإخلاص لإثبات وجودهم من خلال المشاريع الصغيرة التي يؤمنون بأنها ستكبر مستقبلًا والذين حرصوا على عدم سؤال الناس أعطوهم أو منعوهم.. الشباب الذين لديهم هدف واضح وطموح لا يقف عند حد معين.. شباب لا يقفون مكتوفي الأيدي ينتظرون الوظيفة بل يؤسسون لمشاريعهم الخاصة التي ستكبر وتستوعب غيرهم من المواطنين.
لا مبرر لانحراف السلوك والإساءة إلى الجهود الحكومية الكبيرة التي تُبذل لبناء المجتمع ووضعه على الطريق الصحيح بدعوى قِلة الأعمال لأنه عذر أقبح من ذنب لم يعد مقبولًا في ظل التحسن الكبير الذي طرأ على مراكز سلطنة عمان في المؤشرات والتقارير الدولية ذات الصلة.
آخر نقطة
نزور مختلف أقطار العالم شرقه وغربه باحثين عن عِلمِ أو ملتحقين بدورات تدريبية أوسائحين نبحث عن التجديد والمتعة وتغيير الوجوه والأماكن لكننا لا ولن نرى أجمل من بلادنا ولا أحن من قلبها ولا أروع من طقسها ولا أكرم من أهلها ولا أدفأ من ظلالها.
