مقامات.. إشارات

22 مايو 2022
22 مايو 2022

في صباح يوم عادي جدا تصلني رسالة صباحية تقول "جمال الروح هو الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الزمان أن ينال منه"، أفرح بها وأهتف من عميق روحي نعم؛ هكذا علينا أن نعتنق الجمال كإيمان مطلق ونحن نمضي في الطريق الممتد من الصرخة للصرخة، وأن نمد أعناقنا وأبصارنا خارج غرف الحياة المظلمة.

علينا أن نحافظ على جمال أرواحنا، على حصتنا من الظل والصمت والسلام، وأن نرتق ثقوب أحلامنا بالرضا، وثقوب أيامنا بالدعاء، وثقوب أعمارنا بالمحبة، وأن ندلل الكون ونقرأ سور الجمال على مهل وننغمس في ماء السلام لنغتسل من أدران العدم، ونمشي في الطريق الطويل بسكينة من لا ينتظر شيئا، من يهبط مع الانحدارات بذات الحال التي يرتقي فيها الجبال ويصرف الكثير من الوقت لتشرّب الأصوات والألوان وتخزينها في ذاكرة الروح؛ لتكون خرائط الطريق الممتد من الروح للروح.

2.

نبحث عن أشياء كثيرة في هذا العالم، نبحث السعادة وعن الحب والأمان الذي يجعلنا نعيش براحة، وعن الحكمة والوعي في اتخاذ قرار ما، نمضي والطرق تمتد أمامنا ولا ندري أيها نسلك، وفي أيها يكمن الخير، ومتى نرجع؟

تتزاحم الأسئلة في رحلة الحياة الطويلة الممتدة؛ تارة نرسلها وأخرى نستقبلها، وتكثر العقبات فلا ندري أيها إشارة للمضي، وأيها إشارة للتريّث لنهدئ من عجلة اللهاث قليلا، وأيها إشارة للتوقف والرجوع والبحث عن درب آخر. والحياة كلها قوانين وإشارات!

ولكن القلب المفعم باليقين وحده من ستأخذه الحكمة نحو الحقيقة، نحو النور المطلق الذي سيجعل من الطريق حديقة ممتلئة بالجمال والدروس الجانبية، ومن الرحلة حالة سلام عميقة، وسيتشرب كل ما يمر عليه في شهيق عميق، وينفث ما لا يحتاج بهدوء في زفير طويل.

القلب المتصل بطاقة الروح الأكبر للكون سيكون هانئا هادئا حتى في الانكسارات والسقوطات لأن يدرك أن ثمة نور في الأعلى يرشده؛ نور يحل في قلبه مباشرة ويأخذ بيده نحو الطريق الصحيح، وأن ثمة عين في الأعلى تحميه وتنظر إليه بعين الرحمة فلا تزل له قدم، ولا تأخذه تيارات الارتباك والضلال، وأن ثمة يد في الأعلى ستأخذ بيده بهدوء وترجعه للطريق السوي مهما أستبد به التيه واستباحه الاغتراب واستدعاه الغياب. فالقلب المفعم بالنور تنقذه شفاعة النور الأعلى، وتتعهده بالرعاية الحقيقة الكبرى "إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ" ولذا هو يمضي مطمئنا أبدا.

3.

"ليس من الخطأ أن تتوق للسعادة، فالسعادة هي حالتك الطبيعية، الخطأ هو سعيك للحصول عليها من الخارج بينما هي في الداخل." رامانا مهراشيهكذا ألقت هذه الحكمة بظلالها في طريقي ذات يوم، فآمنت بها، أنا التي تتبع الإشارات، وتحاول جاهدة قراءة الرسائل قراءة صحيحة، وتبحث عنها بين العلم والمعرفة، ووشوشة الطبيعة، وصوت الداخل المنبعث من أعماق الروح.

نعم السعادة حق؛ وواجب عليك أن تبحث عنها، وتحافظ عليها، وتسند روحك إليها، وتبتغي إليها الأسباب، وعليك أن تهرّب الفرح إلى داخلك عميقا، وتصطفيه نورا، ثم تستنجد به كلما أعتم الوجود من حولك، أو ضاقت بك الحياة، أو كثرت الأقنعة في طريقك، واستبدت بزمنك ومكانك، أو تكاثر الدخان من حولك، وتطاولت الأرواح التي يسكنها الشر، ويتربى القبح بين جوانحها وتغريها سلطته بنفث سمومها بين أرجاء البسيطة وفي وجوه البشر، فتصنع الحفر في الدروب لتتعثر الخطوات، وتترك الندوب في القلوب إذ تتراكم الحسرات.

عليك أن تركن لداخلك ما استطعت، وتبعث الفرح المطمئن، والنور المشرئب، والخير المتشكل أمانا وسرورا لتحمى قلبك من انبعاثات السم، وتشظيات الألم في الخارج، عليك أن تعيش السعادة من داخلك أولا وتصنع أسبابها دائما؛ تلك الأسباب التي يمكن أن تكون أبسط مما يظن البشر، ويكفي أن تنظر حولك لتجدها؛ ضحكة طفل، ألوان المكان، زقزقة عصفور، تفتح زهرة، شغابات قط لطيف، المهم أن تجيد قراءة أبجديات الجمال لتجد السعادة المتجددة، والتي لا أحد يعطيك وعدا باستمرارها بل يجب عليك البحث عنها دائما ومن داخلك أولا.