كارثة الشهادات «المضروبة»!

12 فبراير 2022
12 فبراير 2022

«قيمة الإنسان فيما يتقنه، أنا لا أملك شهادة».

سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عُمان

لا تكاد تلتقي بزميل دراسة سابق أو صديق غاب عن ناظريك مُدة إلا ويبادرك بالأسئلة المُعادة نفسها: «كيف كملت دراسات عُليا ولا بعدك؟. ما ناوي تكمل ماجستير ودكتوراه؟. ماشي خطة تفرُغ من العمل وتكمل دراسات؟» وكأن هذا الإكمال قدر على المرء وإن لم يقُم به فقد ارتكب جريمة سيندم على فعلها ما بقي له من عُمر بل يكون فعليًا قد فوت الفرصة على نفسه لتحقيق طموحاته أو ربما في الحصول على منصب حكومي يسيل له لُعاب البعض الذي يرى أنه يجر خلفه الوجاهة والسلطة وما ظهر من النفوذ وما بطن.

وإذا كنت غير معنِي بقناعة السائل حول قراره إكمال الدراسة والأسباب التي تقف وراء هذه القناعة فإنك ستتظاهر بعدم الاهتمام من منطلق أنه ليس الوحيد ولن يكون الأخير الذي يطرح سؤالًا مملًا كهذا أما إذا كنت رائق المزاج ولديك «بارض» وطولة بال حينها في الأخذ والرد معه فإنك ستُضطر إلى كشف المستور وستناقشه بصراحة ودون تحفظ حول الهدف الحقيقي من وراء هذه الخطوة وهل هو مؤهل فعلاً للقيام بذلك وماذا سيُستفاد من وراء دراساته طبعاً إذا كان يدرس «ولا يدفع» ومن شهادته إذا تحصّل عليها.

من باب المجاملة للمحاور ستسأله عن الجامعة التي تشرفت بتدريسه ومنحته شهادتها وإلى أي البلاد تنتمي وما هو موضوع البحث -إذا كان يعرف عنه شيئا- والنتائج التي تمخضت عن الدراسة وأنت موقنُ أن اسم الجامعة سيكشف لك هل هو باحث عن علم أم عن حرف يوضع أمام اسمه ليكون لاحقاً عبئا عليه وعلى الجميع.

لا شك أن الحصول على شهادة عليا مطمح كل إنسان جاد يسعى إلى الارتقاء بذاته والإفادة من ملكاته -إذا كانت متوفرة فعليا- لكن هذه الإفادة لا يجب -أدبياً- أن تتجاوز الرغبة في الإضافة إلى ما قدمته العلوم المختلفة وخدمة الإنسانية واكتشاف الجديد الذي يساهم في بناء الوطن بصفة خاصة والبشرية على العموم لكن أن تتحول هذه الأهداف السامية إلى لهاث مسعور من أجل تحقيق أغراض ضيقة كالوجاهة الاجتماعية والوصول إلى المناصب فتلك الكارثة بعينها.

وإذا تجاوزنا مسألتي الوجاهة الاجتماعية وهوس المناصب وضررهما الواقع حتماً فإن هناك ضررا أخطر من ذلك بكثير وهو أن اسم الباحث سيكون منطقياً مُدرجا في القوائم التي يعول عليها، في أن يمثل في محفل دولي بحكم التخصص فإن ذهب مثّل البلد أسوأ تمثيل وخرج بخفي حنين وإن رفض الذهاب ترك ألف سؤال وسؤال حول رفضه.

ورغم أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عملت وما زالت تعمل جاهدة على تنظيم الحصول على الشهادات العليا والاعتراف بها ورفض الموافقة على طلبات مواصلة دراسة الدكتوراه لغير الحاصلين على مؤهلي البكالوريوس والماجستير واتخاذ الكثير من القرارات المتعلقة برفض معادلة عدد من المؤهلات الدراسية لأسباب مختلفة أهمها التزوير وألا يكون المؤهل صادرا عن مؤسسة وهمية إلا أن سباق الحصول على شهادات مزورة ما زال محموماً ،طبعًا دون الاهتمام أو الاكتراث إلى المتضرر.

يشعر البعض بالزهو وهو يكتب حرف «د» أمام اسمه أو يُنادى بالدكتور فلان لكنه لا يضع للمُنجز الذي يفترض أن يقدمه لنا ولوطنه أي اعتبار فتمضي به السنوات وهو بلا أبحاث ولا دراسات ولا كتب ولا ترجمات ولا مشاركات محلية ودولية في المنتديات والمؤتمرات ولا أدنى من ذلك ولا أكبر لأن فاقد الشيء لا يعطيه بل إن البعض يقبضُ على الشهادة كيفما اتُفق ويذهب في سُبات عميق يحلم فيه بالمنصب الرفيع وينتظر المرسوم حتى يخرج إلى التقاعد وتخرج روحه بتتابع السنُوات ويطوي ذكره النسيان.

أيها الحقيقيون من الساعين وراء الحصول على الشهادات العليا تحية خالصة لكم.. إن مُنجزكم -منجزكم وحده- وليس ألقابكم هو ما يدفعنا بحب إلى الافتخار بكم ومناداتكم بها -رغم أنكم لا تسعون إلى ذلك ولا تريدونه-.. سنفاخر بكم على الدوام أينما حللنا وكيفما تأّتى لنا أما غيركم من أصحاب الشهادات «المضروبة» وشهادات «مشي حالك» فإننا نسأل الله لهم الهداية وأن يردهم إليه ردًا جميلاً.