يوميات سورية 40

15 يناير 2022
15 يناير 2022

-1-

وجهك لا ينساه من ابتسمت له، مرة ذات صباح.

وجهك من يملأ منه خبز رحلته المسافر.

وجهك العاطفي السخي الجميل المضيء غموضا واضحا...

وجهك الطائر.

-2-

سألت عنها نافذتها المطلة على الدنيا، في يوم ماطر بارد، قالت النافذة : ذهبت باكراً تلم البرد في الحدائق عن أجساد النائمين .

-3-

فوق أحد مخيمات اللجوء السوري ...مر سرب من طيور اللقالق، والبجع ، ومالك الحزين، وطيور ماء أخرى، ورمت ما حملته لصغارها من الماء والطعام فوق المخيم.

طائرات الأمم المتحدة حاولت إسقاط غذاء وماء وأدوية إلى مناطق محاصرة في سورية. وقعت كرتونات قليلة فوق المحاصرين ومعظمها فوق خنادق المتحاربين.

" الحرب هي أسوأ موزع للأرزاق. وكما قال العالم أينشتاين: يجب منع الحرب بسبب الاشمئزاز. وما من ثقافة في العالم فوق ثقافة الغابات.

لقد احتاج الغلاف الجوي لمليار سنة لتكوين الأوكسجين. وفي مائة عام (ويوم) ازداد ثاني أوكسيد الكربون 25% وثقب الإنسان بيدي عقله هذا الغلاف، ثقباً أبدياً يدشن عصور الانقراض القادمة.

ـ 4 ـ

يتندر السوريون على شخصيات طريفة مرت في التاريخ السوري.

في زمن الانتداب الفرنسي على سورية (ثلاثينات القرن الماضي) تسلم الشيخ تاج الدين الحسني رئاسة الحومة، فعم الغضب الشارع السوري وخرجت المظاهرات تندد به وبالاحتلال الفرنسي، وكان على رأس المظاهرات طلبة الحقوق في جامعة دمشق، وكانت الهتافات كلها بذيئة وشتائم، وحين قدموا له اقتراحات بقمع المظاهرات قال: "انتظروا... سأجعلهم يلحسوا..."

وفوراً أمر بإصدار طابع مالي يحتاجه الطلاب دائماً لإتمام معاملات القبول بالجامعة، ووثائق التخرج، والتأجيل الدراسي. وكانت صورته على الطابع بالطول الكامل.

هكذا كل طالب سيلحس الطابع من القفا، للصقه على الوثائق والأوراق المتعلقة بحياة الطلاب الجامعية.

ـ 5 ـ

كنا نعود كل أسبوع من مدرسة بعيدة عن قريتنا. وديان وجبال وغابات نقطعها فرحين بالعودة إلى الأهل.

في أحد الوديان مغارة منحوتة في الصخر، وهي مكان من أوابد العصر الروماني، في منطقة آثار مطمورة.

ذات شتاء اضطررنا للدخول إليها لاجئين من المطر... المطر الذي لا مثيل له. إنه سيول السماء، وقد تكون دموعها.

عندما خرجنا من المغارة كانت ثيابنا مغطاة بطبقة من الكائنات الصغيرة: البراغيث وهي تتقافز على أجسادنا.

كان الحل أن نمشي تحت المطر ... هكذا قرر عقلنا الإسعافي. وهو القرار الذي جعل البراغيث تتشبث بنا أكثر.

ذات يوم بعد خمسين سنة، مررت بتلك المغارة، وكان الفضول، وربما الحنين، يدفعني لدخولها. فتشبثت بي أحفاد البراغيث، كما أمس البعيد.

لم يكن هناك مطر. دخلت إلى الغابة ونزعت ثيابي وتفليت برغوثاً برغوثاً. وأنا أشتم العصر الروماني والعصور الحديثة أيضا.

ـ 6 ـ

من دفتر قديم:

قد لا أملك انتصارات مدهشة، لكنني أستطيع إدهاشك بهزائم خرجت منها حياً. "أنطون تشيخوف".