حتى لا يخرج الصوت خافتًا
يخرج الصوت خافتًا جدًا وخجولاً إذا ما تطرق الحديث إلى وجود إشكالات ومتاعب نفسية يعاني منها أحدنا ربما شُخصت وربما لم يتم تشخيصها لأسباب كثيرة ومتباينة غالبًا ما تكون اجتماعية.
قد تصاب بالدهشة إذا عرفت أنه يوجد بيننا أشخاص كُثر يعانون منغصات نفسية لا يدرون لها أسبابًا ولا يعرفون إلى أين يتوجهون بل وهناك من لا يعرف مما يعاني ولا يجد تفسيرًا لكثير من الاضطرابات التي تحاصره ولم يخطر بباله أنه مضطرب نفسي وأنه يوجد من يستطيع مساعدته.
عادة ما يرفض البعض "إذا توصل" إلى أنه يعاني اضطرابًا نفسيًا "الاعتراف" بأن لديه مشكلة وإذا ما بلغ مرحلة كان فيها بحاجة ملحة للحديث مع طبيب متخصص فإنه يذهب إليه على استحياء حتى لا يُرمى بالجنون أو بأنه " غير طبيعي " وإن كان ما يعاني منه تقف ورائه مسببات تتصل بالتنشئة أو أن له علاقة بالجينات المتوارثة التي لا يد له فيها.
استرشدت بمعلومات دقيقة من أحد الأصدقاء وهو طبيب نفسي عُماني قبل البدء في كتابة هذا المقال وهالني ما ذكره لي من أرقام تتصاعد كل يوم لأشخاص يعانون اضطرابات مختلفة في المجتمع تأتي بين القلق والرُهاب بمختلف أنواعه والذُهان والوسواس القهري والانفصام وهم في أعمار متباينة تقع بين سن المراهقة وبعضها تتجاوز السبعين عامًا.
لكن ما كان يُزعج الطبيب وهو يتحدث عن الأسباب الكامنة التي تؤدي إلى ظهور هذه الاعتلالات التي وصفها بالخطيرة و" المُعطِلة " رفض نسبة كبيرة من المُشخصين الخضوع لبرنامج علاج سلوكي أو دوائي بسبب الفكرة السلبية المأخوذة عن العلاج النفسي وما يعتقده البعض بأن الأدوية والمضادات المستخدمة في العلاج تُفضي إلى الإدمان الأمر الذي يفاقم من حالته.
يمضي الطبيب في حديثه: "لعبت السينما العربية في فترة معينة دورًا سلبيًا في طرحها لشخصية المريض النفسي وكذلك الطبيب وهنا يتذكر ضاحكًا موقفًا محددًا للممثل الشهير الراحل فؤاد خليل في أحد أفلامه -الذي عُرف بلعبه دور الطبيب النفسي- وبيده إبرة كبيرة الحجم والمريض الذي يمسك بتلابيبه أربعة ممرضين وهو يصرخ: "أنا مُش مجنون".
يواصل الدكتور كلامه: "إذا أردت الحقيقة فإن أعداد من يسعفهم الحظ ويتوجهون إلى العيادات المتخصصة محدود جدًا لكن بيننا أعدادُ ليست بالقليلة ممن تعاني في صمت ووسطنا أشخاص يخجلون من التوجه إلى العيادات وفتح ملف خاص بهم ومن هم ضحايا للدجالين والعرافين ومن ينتهي بهم الحال إلى مصائر مأساوية. أرى أن على الجهات المختصة توعية شرائح المجتمع بأهمية الإرشاد والعلاج النفسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. يجب على من يجد نفسه في غرفة مظلمة فتح النافذة والسماح للضوء بالدخول".
يستطرد صديقنا: "قد تمرض روح الإنسان هذا الكائن بالغ الحساسية وتعتلُ وقد تتشظى نفسيته لظروف خارج إرادته يكون فيها بحاجة ماسة إلى من يأخذه إلى منطقة الاستقرار النفسي في ظِل علاقات اجتماعية آخذةِ في التعقيد ومتغيرات لا يمكن فهمها وبراجماتية لا ترحم ولا تعرف للمشاعر الإنسانية طريقًا".
