عمان اليوم

خمس شهادات تروي سيرة الكفاح وقصة العمل في صفحات مهنة المتاعب

15 ديسمبر 2022
سفر في أرشيف الذاكرة
15 ديسمبر 2022

سيف المحروقي: لم أعمل في الصحافة من قبل وأن أكون رئيس تحرير لـ«عمان» تحدٍ كبير -

فاطمة غلام: العمل كصحفية فرصة ذهبية وتجربة فريدة وتفاعل الناس يترك أثره الكبير فينا -

خالد المعمري: التحقيقات الصحفية وإن سلطت الضوء على السلبيات فهي تهدف دائما إلى التطوير والبناء -

عوض باقوير: جريدة عمان منحتنا الفرصة لرؤية العالم شرقا وغربا -

ناصر درويش: في القسم الرياضي عشنا تحدي تقديم المادة الأفضل -

وُضع صندوق الذكريات وسط طاولة الجلسة الرابعة من ندوة جريدة عمان، وبدأ النبش في قصص عمرها 50 عاما، يقلب حكاياتها خمسة ممن شهدوا سيرة الجريدة من المهد، يتوقفون عند مواقف أضحكتهم تارة، وأتعبتهم تارة وأحزنتهم تارة أخرى، ينسجون من المشاهد تاريخا عايشوه وطريقا مشوا فيه ورحلة عبروا معالمها في البلد والجريدة في آن معا.

تحدث رئيس تحرير جريدة عمان السابق في شهادته عن بداياته الأولى قائلا: «مسيرتي بدأت بالإذاعة واستمرت لأربعة عشر عاما، بعدها انتقلت إلى التلفزيون وعملت فيه ستة عشر عاما وبالتحديد في دائرة الأخبار، كما كنت مديرا لدائرة التنسيق والمكتبة ، وكذلك دائرة البرامج. العمل الإعلامي مختلف ولكل مجال أسلوبه وطريقته، وتعودنا في تلك الفترة في وزارة الإعلام أن توكل إليك المهمة فجأة ويأتيك القرار وتجد نفسك في مكان غير الذي عرفته وتعودت عليه. كنت وقتها قد انتقلت حديثا إلى دائرة البرامج، وأُعلمت بنقلي إلى جريدة عمان، وصدر قرار انتدابي لأكون مدير تحرير فيها. في الحقيقة لم أكن أعرف أحدا وكان هذا تحديا كبيرا بالنسبة لي، كما أني لا أعرف طبيعة العمل فيها، فهي في الأخير مؤسسة صحفية ولم يسبق لي وقتها العمل في الصحافة، لقد كان تحديا كبيرا أن يقبلني من هم هناك».

وعن دخوله الأول لصالة التحرير قال: كان الجو غريبا في الصحيفة، ونظراتهم إلي كلها استغراب، أذكر أن عماد البليك كان يمسك زمام الأمور في الجريدة ذلك الوقت، ولأنه لم يكن لي مكتب فكنت أبقى معه وأراقب سير العمل وطريقة الكتابة والمراجعة وحركة الصفحات وبدأت أتعلم، وبعد التعلم دخلت تحديا آخر وهو كيف يمكنني الانسجام مع العاملين فيها، فبدأت بتكوين العلاقات وبناء جو من الأخوّة دون أن أشعرهم بأني مسؤولهم بل فرد في العائلة، فأصبحنا نعقد الاجتماعات، ونبحث عما ينقصنا، وكانت تنقصنا الكوادر بسبب هجرة الصحفيين من الجريدة تاركين وراءهم فراغا. وهكذا بدأت التقرب منهم وحاولت أن نعمل بشكل آخر، لكن هذا النقص في ذات الوقت أتاح لنا فرصة اختيار وجوه جديدة قادرة على العمل في الجريدة فبدأنا بالتعيينات، ووضعنا تبويبا للجريدة كذلك وأدخلنا الملاحق، وقمنا تحسين الموقع».

وعن التحديات التي وقفت أمام الملاحق قال: «التحدي الكبير في إصدار الملاحق يتمثل في إنشاء المحتوى، لدينا 16 صفحة للمحليات ونعتمد في محتواها على المراسلين، وهذا ما احتاج إلى إعادة النظر والتدقيق فيه».

وأضاف: «اتهمت بأنني السبب في إيقاف ملحق شرفات، ولكن في تلك الفترة ابتعد المثقفون عن الكتابة في الملحق لدرجة أنه بات يفتقر للمواد لتغطية صفحاته، فارتأينا أن يتوقف لفترة معينة حتى نعيد النظر في كيفية إثرائه من جديد».

وقالت فاطمة غلام من أوائل الصحفيات في سلطنة عمان عن رحلتها الصحفية: «كنت من أوائل الملتحقين بجريدة عمان، بل كنت من أوائل الصحفيات، وأعتقد أن علاقتي بالصحافة بدأت عندما كنت في العاشرة من عمري، وكتبت موضوعا إنشائيا أعجب المعلمة فكان هذا الضوء الأول المرشد والموجه لهذا الطريق. درست التجارة ولم أستمر، وبعد زواجي عملت بوزارة الإعلام، وعندما أتيحت الفرصة للتقدم كصحفية، تقدمت وبدأت المشوار في الجريدة وكنت الصحفية الوحيدة، فكتبت زاوية صغيرة في البداية وأعددت صفحة للطفل، كانت هناك صفحات متخصصة للأسرة وكنا نكتب فيها بمختلف الأشكال الصحفية، وفي كثير من الأحيان كنا نتنقل ونسافر من أجل إتمام هذه المواد».

وأضافت: «في تلك الأيام كنا نستقل السيارة ونذهب للوديان تارة وتارة للجبال من أجل أن نتابع المرأة في كل مكان، وبصدق أعتبرها فرصة ذهبية أكثر من كونها مهنة، بل تجربة فريدة بالنسبة لي، وكان يسعدني أن الناس يحتفون بنا نحن النساء الصحفيات في هذه الزيارات».

وتابعت: «يمكنني القول إننا غطينا كل شيء تقريبا، عملنا بجهد مع الزميلات في وقت لم تكن وسائل الاتصال متاحة، وما أشعر به الآن أن الجيل الجديد من الصحفيين أقل حماسا ويستسهلون الحصول على المعلومة، بعدما كنا نحصل عليها بشق الأنفس».

وعن دخول الأجهزة الإلكترونية قالت: «في آخر الأيام دخل الكمبيوتر فأصبحت الأمور ميسرة وسهلة ونحن في مكاننا، أحببت كل المراحل التي عشتها في الجريدة الجميلة والصعبة، وبكل تأكيد عندما تغطي كل الأنشطة وتسافر وتتنقل من أجل نقل الخبر هذا كفيل بزيادة معرفتك». وتقول: «كان التفاعل من الناس يترك أثرا كبيرا فينا، فقد طرحنا قضايا مهمة، ومشاكل اجتماعية وغطينا كل فعاليات جمعية المرأة، أما علاقتنا مع رؤساء التحرير الذين مروا خلال فترة عملنا في الجريدة فكانت علاقة جيدة يكسوها التعاون وروح المبادرة والعطاء والعمل بروح الفريق الواحد».

وأضافت: «ما لا أنساه أنني كنت ذاهبة لمنطقة نائية وكنت حاملة في الشهر الرابع من أجل تغطية صحفية، وكان الطريق وعرا وغير معبد، ففقدت الجنين، لكن أظن أن على الإنسان أن يضحي في وقت ما».

يقول خالد المعمري نائب رئيس التحرير السابق لجريدة عمان واصفا تجربته: «تجربتي ذو شجون، دخولي إلى الجريدة لم يكن لامتهان مهنة المتاعب، فقد كنت أبحث عن وظيفة فتعينت في الجريدة، بدأت مصححا ووجدت أن هذا الموقع لا يناسب إمكاناتي اللغوية فطلبت الانتقال إلى القسم الرياضي، ساعدتني قراءاتي للزملاء السابقين في القسم وبدأت بالكتابة في الرياضة تحديدا وأعتقد أني توفقت، وهكذا تدرجت حتى عينت مديرا للتحرير ثم نائبا لرئيس التحرير للشؤون المحلية. مهنة المتاعب ممتعة جدا، وهي مهنة مشرفة لها أهدافها السامية في تنمية المجتمع والبلد بالدرجة الأولى».

وعن التحديات قال: «التحديات تكمن في التقنية ذلك الوقت، والاعتماد على الهاتف الثابت فقط، لأنه لم يكن متوفرا غير ذلك، وتحديات أخرى مثل تجاوب المصادر وتفاعلها مع الصحفيين، وأعتقد أن مصاعب التقنية وتقبل الرأي الآخر معاناة عامة في أغلب الدول العربية وليس في سلطنة عمان فقط، مما أذكره أنني ابتعثت لتغطية حدث رياضي في الدار البيضاء، وكنا نقطع مشوارا طويلا من أجل الوصول إلى مركز الاتصالات، وننتظر المكالمات الهاتفية ساعتين حتى تصل للجهة المنشودة، أعترف أن الإمكانات سابقا لم تساعد على عمل صحفي مريح، لكن على الرغم من ذلك كانت هذه فترة سعدنا فيها بالعمل مع أسرة تحرير متعاونة ومتفهمة».

وعن قصته مع العناوين قال: «تستهويني العناوين، يستهويني الابتكار فيها، وأجزم أني توفقت في كثير منها مما نشر في الجريدة ولقي صداه وأثره. أذكر أن السلطان -طيب الله ثراه- في رحلة علاج، وكان الشعب في ترقب لخبر مفرح خاصة وأن الأخبار عنه انقطعت لفترة طويلة، ثم جاء الخبر السعيد حاملا بهجة الصحة الجيدة لجلالته -طيب الله ثراه- فكتبت العنوان: (فرحة وطن)، وأصبح هذا العنوان قاعدة لعناوين لها مثل هذه الدلالة، كما أن كثيرين عنونوا مقالاتهم بالعنوان ذاته. ومثلما يقال الموضوع يقرأ من عنوانه، ولا بد أن يكون جاذبا، ومن عناويني الجاذبة التي انتقدت من قبل الإدارة العليا للجريدة، عنوان: (الفساد مر من هنا)، حيث كنت في منطقة في الجبل الأخضر وكان الناس فيها يشكون من تشقق مساكنهم إضافة إلى تعطل خدمات الكهرباء، وكان المسؤولون وقتها في زيارة لهذه المنطقة، فكتبت الموضوع بشهادة الأهالي وعنونته بـ(الفساد مر من هنا)، ثم في اليوم التالي حصلت على إثر هذا العنوان، لكن ما همني في الأمر أن الجهة المعنية التفتت للموضوع، وبالطبع مثل هذه المواضيع والتحقيقات سواء سلطت الضوء على الإيجابيات أو السلبيات فهي تهدف دائما إلى التطوير والبناء، وتلبي حاجة المواطن في أن يجد من يرصد هذه الأمور ويوصلها».

وحول التوازن بين كون الجريدة حكومية ودورها في الكشف عن هموم المواطن قال: «الجريدة حكومية لكن هذا لا يتنافى مع وجود توازن بين ذلك وبين دور الجريدة التوجيهي والإرشادي، لم يكن هناك تصدي لمناقشة مثل هذه الأمور من قبل المسؤولين في الجريدة بقدر ما كان التصدي من المسؤولين في تلك الجهة».

عن قصة البداية قال الصحفي عوض باقوير: «التحقت بجريدة عمان عام 1986م، وكان زميلي عبدالله العليان سبب دخولي في سلك الصحافة، فدرست الصحافة في القاهرة وعدت إلى الجريدة، وسُكنت في قسم الدراسات السياسية، ترددت في البدء لكن حمد الراشدي رئيس التحرير أصر وقتها على ذلك، وبكل تأكيد القيادات كانت تعطي الكوادر الثقة».

وأضاف: «أذكر أنني كلفت بمهمة في زمبابوي لتغطية حدث كبير، وكنت كلما رغبت بإرسال رسالة أو إجراء مكالمة عن طريق هاتف الفندق يتم تحويلها إلى الهند ثم إلى مسقط».

وعن النافذة التي تفتحها الجريدة نحو العالم لصحفييها قال: «جريدة عمان صنعت كل هذا الجيل والأجيال المتعاقبة وجعلتنا نرى العالم شرقا وغربا، وبرفقة الزملاء العرب تشربنا المهنة، كان الكل يريد أن يتعلم فتعلمنا منهم، وأتيحت لي الفرصة من خلال عملي كصحفي في الجريدة لرؤية العالم».

وعن العمل مع وزارة الخارجية قال: «عوملنا في وزارة الخارجية كدبلوماسيين وليس كصحفيين، وهذا ساعدنا على التعرف على مكامن هذه السياسة المتزنة التي هي محط أنظار العالم وإعجابه، فكنا جزءا منها وعرفنا ما نحتاج الكتابة عنه وبهذا الشكل تناغمت الجريدة مع سياسة سلطنة عمان، وكنت محظوظا أن غطيت لوزارة الخارجية لسفري معهم لكثير من العواصم، وعندما اندلعت الحرب في الخليج كانت الجريدة تتماشى مع السياسة الخارجية لسلطنة عمان، وهذا أكسب الجريدة أهمية كبيرة وعرف بإمكانية استشارة سلطنة عمان في حالة الحرب».

واختتم شهادته بقوله: «في أيام إعلان نتائج الثانوية العامة كان الناس يتزاحمون على مبنى الجريدة، فقد كانت المصدر الوحيد، وأعتقد أن الجريدة استطاعت عبر أجيال متعاقبة أن ترصد التغيرات في البلاد خلال نصف قرن، وهي مهنة صعبة بالطبع لكن الصحفي بعزيمته يستطيع صنع اسمه».

وسرد الكاتب والصحفي ناصر درويش حكايته: «حكايتي حكاية، قد أكون الوحيد من بين المشاركين الذي بدأ واستمر في الرياضة طوال مشواره الصحفي في القسم الرياضي، فقد استلمت الإرث من فتحي سند الذي أوكل إلي المسؤولية كاملة، انتقلت من جريدة الوطن إلى جريدة عمان، وبالنسبة لنا كنا ننظر للمهنة على أنها هواية كلعب كرة القدم، وأعتقد أن هذا سبب من أسباب الإبداع فيها. نحضر إلى الجريدة منذ الساعات الأولى للفجر ونجهز لليوم التالي ونقوم بتسليم 50 خبرا في اليوم».

وأضاف: «تعلمت خلال فترة وجودي في القسم الرياضي كيف أتعامل مع مصادر الأخبار التي ما زلت على تواصل معها حتى الآن، ولا أنسى البطولات الرياضية التي ساعدتنا دائما في تكوين شبكة من العلاقات، في القسم الرياضي لم نكن نركز فقط على كرة القدم، بل سعينا إلى التنويع فيه، فاهتممنا بكرة اليد وكرة السلة والطائرة وسباقات الهجن والخيول والسيارات ووضعنا صفحات تخصصية، وعشنا تحدي تقديم المادة الأفضل».