383 كشفا تسلط الضوء على التراث الحضاري العميق لسلطنة عمان
كشفت وزارة التراث والسياحة في مؤتمر صحفي عقد اليوم عن أهم نتائج أعمال برنامج البعثات الأثرية لموسم 2022/2023م الذي شهد مشاركة 28 بعثة أثرية من 12 دولة، شملت أعمال المسح والتنقيب والكشف عن معلومات مهمة في أكثر من 68 موقعا أثريا تبرز دور سلطنة عمان الحضاري الذي يرجع إلى العصور الحجرية القديمة حيث بلغت المقتنيات المكتشفة للموسم 383 كشفا أثريا متنوعا تمثلت أبرزها في موقع «دبا الأثري» والذي يعد من أهم وأكبر المواقع الأثرية المكتشفة في عمان من حقبة العصر الحديدي حيث تم العثور على مرآة معدنية تعد من المقتنيات النادرة التي يُعثر عليها في المواقع الأثرية. وفي موقع «الطيخة الأثري» تم الكشف عن مستوطنة من العصر البرونزي المبكر تحتوي على أبراج ومبانٍ ومقابر أثرية وبقايا أفران لصهر النحاس عثر عليها داخل المستوطنة دلت إلى أن السكان اعتمدوا بشكل كبير في اقتصادهم على إنتاج النحاس وصهره والإتجار به. أما موقع «قميرا الأثري» الذي امتدت فترة الاستيطان فيه من العصر الحجري الحديث إلى العصر الإسلامي فتم الكشف عن أبراج أثرية ضخمة ومستوطنة ترجع إلى العصر البرونزي ومستوطنة محصنة ترجع إلى العصر الحديدي، ولوح حجري نادر يكتشف لأول مرة في سلطنة عمان وهو لوح مشابه للعبة الشطرنج أو كما يعرف محليا بـ «الحواليس»، ويرجع تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
أما في موقع «بات والخطم والعين» ففي موقع الخطم تم اكتشاف وتنفيذ حفريات في مقابر وبيوت فترة أم النار، كما تم توثيق حصن كبير يعود العصر الحديدي. وفي موقع «رخة المدرة» تم التنقيب في بيوت ترجع لفترة أم النار (العصر البرونزي المبكر) والتي أشار المسح الجيولوجي إلى وجودها بالقرب مما يعتقد أنها أرض رطبة كانت تستغل للزراعة والرعي، حيث يعد الموقع فريدا من نوعه على مستوى الجزيرة العربية.
أما في موقع «العارض الأثري» فتم اكتشاف سبعة أبراج أثرية في موقع صغير نسبيا، واكتشاف جزء من فأس فيما يعتقد أنها ورشة لصهر النحاس تعود للعصر البرونزي، واكتشاف قناة مائية قديمة قد تعود إلى فترات ما قبل الميلاد.
وفي موقع «بسيا وسلوت الأثري» فتم الكشف عن برج من أحد أكبر أبراج الألف الثالث (العصر البرونزي) محاطا بمستوطنة مبنية بالطوب على أساسات حجرية، وتم خلال التنقيبات الكشف عن نواة تمرة متحجرة ما يشير إلى ظهور زراعة النخيل في تلك الفترة، كما تم الكشف عن فخار من فترة أم النار يعود لفخار الهاربان من وادي السند ما يدل على وجود تجارة مع تلك المناطق.
وفي «وادي تنوف وموقع الصويحرية الأثري» وثقت 7 مواقع أثرية ( 4 مقابر، تحصين دفاعي (حصن)، تجمع مبانٍ وموقع انتشار لقى أثرية، وتسجيل وتوثيق 72 قبرا أثريا (العصر البرونزي) و9 مبانٍ، وكشف حفرية كهف المغارة يدل على وجود جرة فخارية تشير إلى استيطان قديم للمغارة يعود للألف الثاني قبل الميلاد (العصر البرونزي المتأخر).
أما موقع «وادي حاصد الأثري» فتم اكتشاف تلة محصنة تعود للعصر الحديدي وهي فريدة من نوعها في المنطقة المعروفة بجعلان. أما موقع «الخشبة الأثري» فنفذت فيه وركبت لوحات تعريفية بالمواقع المختلفة في الخشبة، كما تم توثيق العديد من الرسوم الصخرية، إضافة إلى التنقيب في موقع من العصر الحجري الذي يشير إلى الاستيطان المبكر. أما في موقع «وادي بني خالد الأثري» فتستمر أعمال التنقيبات الأثرية في المستوطنة المحصنة المؤرخة للألف الأول (العصر الحديدي المتأخر)، وفي موقع «نفون الأثري» تم اكتشاف أصداف وقبور إسلامية وقبور ما قبل الإسلام، وهياكل حجرية ورسوم من الفن البدائي. إضافة إلى ذلك تم في «موقع الربع الخالي» اكتشاف بقايا بيضة نعام منقرض ومجرى نهر قديم في الفترة التي يعتقد أن مناخ الجزيرة العربية كان رطبا، واكتشاف فؤوس حجرية تعود إلى فترات هجرة الإنسان من أفريقيا خلال الفترة ما بين 300 ألف إلى مليون سنة. كما تستكمل في «موقع البليد الأثري» أعمال التنقيب في المسجد الذي يقع فيما يعتبر أقدم المناطق الاستيطانية في مدينة البليد الذي يعتقد (من خلال المعلومات الأولية) أنه أقدم مسجد في الموقع.
وسلّط المؤتمر الصحفي الذي حضره سعادة المهندس إبراهيم بن سعيد الخروصي وكيل وزارة التراث والسياحة للتراث، وشارك فيه سلطان بن سيف البكري مستشار الوزير للتراث، وسالم بن محمد الحجري المدير العام المساعد للتراث الأثري، وعلي بن حمود المحروقي مدير دائرة المسوحات والتنقيبات الأثرية الضوء على جهود وزارة التراث والسياحة في حماية وإبراز التراث الأثري لسلطنة عمان ومساعيها في تعظيم الاستفادة من هذه المقومات التراثية وتوظيفها كمنتج سياحي جاذب، حيث قال سعادة وكيل وزارة التراث والسياحة للتراث نحتفي اليوم للتعريف بمضامين التراث الثقافي العماني المادي وهي الاكتشافات الأثرية وما أسفرت عنه بعثات التنقيب والمسوحات الأثرية من دراسات وأبحاث وأوراق عمل علمية محكمة لمعثورات ومكتشفات أثرية شاهدة على أصالة الحضارة العمانية منذ العصر الحجري والعصور والأزمنة التي تليها وتواصلها مع الحضارات القديمة ونتيجة لهذا التاريخ الأصيل الممتد عمدت الوزارة بالتعاون مع عدد من المؤسسات والهيئات والجامعات العلمية المحلية والأجنبية وفق برنامج علمي يهدف إلى الكشف عن هذا التاريخ في مختلف المواقع الأثرية ضمن أفضل الممارسات والمنهجيات العلمية.
وأضاف «سعادته» أن الوزارة مستمرة لإبراز هذا التراث وتعظيم الاستفادة من هذه المقومات التراثية وتوظيفها كمنتج سياحي على خارطة السياحة العمانية.
اهتمام رسمي مبكر
كما قدم سالم بن محمد الحجري المدير العام المساعد للتراث الأثري عرضا مرئيا تناول تاريخ البحث الأثري في سلطنة عمان وأهم المواقع المكتشفة وأهم المكتشفات والبعثات الأثرية وبين العرض أن أوائل البعثات الأثرية كانت البعثة الدنماركية في عام 1972 والتي اكتشفت مقبرة وادي سوق (430 قبرا) وقامت بمسح وتنقيب في موقع بات ثم بعثة جامعة هارفارد الأمريكية من 1973 إلى 1976 والتي اكتشفت 180 موقعا منها مستوطنة وادي إبراء وبهلا ومسح عرجا في وادي الجزي.
وأضاف «الحجري» أن البعثة البريطانية في الأعوام 1971 و1973 و1978 قامت باكتشاف 79 موقعا وتنفيذ حفريات في سلوت وسمد الشأن والميسر (تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد) ليضاف إلى ذلك البعثة الإيطالية الفرنسية والبعثة الألمانية حيث عملت هذه البعثات على الكشف عن الكثير من المقابر الأثرية الغنية بمقتنياتها الجنائزية وعدد كبير من المستوطنات والمواقع والأبراج الأثرية. والكشف عن مواقع تعدين النحاس والتي يعود تاريخها للألف الثالث قبل الميلاد (العصر البرونزي فترة حضارة مجان) كما كشفت المسوحات الأثرية عن رسومات صخرية لحيوانات وبشر تعكس التجارب والمواقف التي تعرض لها السكان الأوائل والتي تعود في بعضها إلى الألف السابع قبل الميلاد والكشف عن أدلة توثق التواصل القديم مع بلاد السند وبلاد الرافدين مثل الأختام والأواني والبيتومين من بلاد الرافدين وقدمت دليلاً علمياً يؤكد بأن (مجان) الوارد اسمها في وثائق ملوك بلاد الرافدين هي سلطنة عمان. وقامت توثيق العناصر الدفاعية القديمة والتي من أبرزها قلعة لزق في سمد الشأن والتي يبلغ عمرها ما يقارب 3200 سنة وتسجيل 4 مواقع أثرية في قائمة التراث العالمي.
مشاركة عمانية في البحث
من جانبه عرّج سلطان بن سيف البكري مستشار وزير التراث والسياحة للتراث على توجهات الوزارة نحو البرنامج وقال إن الوزارة تنفذ عددا من البرامج فيما يتعلق بالمسوحات والتنقيب حيث شهد الموسم الحالي 28 بعثة من عدد من الجامعات من كل من إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وأسبانيا والتشيك ونيذرلاند وأستراليا وبولندا واليابان وبريطانيا إضافة إلى بعثات مشتركة بين سلطنة عمان وكل من إيطاليا وألمانيا، وشارك موظفو وزارة التراث والسياحة والباحثون العمانيون في عمليات المسح والتنقيب الأثري التي تنفذها هذه البعثات حيث إن لهذه المشاركات دورا في صقل مهاراتهم وإكسابهم الخبرات الميدانية والتخصصية في مجال الآثار، والمتمثلة في التنقيب والتوثيق بالأجهزة الحديثة وتحليل ودراسة المقتنيات الأثرية التي يتم الكشف عنها، مؤكدا إن موظفي أقسام الآثار والتراث في الوزارة وفي إدارات التراث والسياحة في المحافظات يرافقون هذه البعثات الأثرية خلال مواسم المسوحات والتنقيبات الأثرية كل حسب محافظته.
زيارات واقعية وافتراضية
من جانبه قال علي بن حمود المحروقي مدير دائرة المسوحات والتنقيبات الأثرية بوزارة التراث والسياحة: انتهجنا في الجانب الترويجي استغلال التقنية للزيارة لبعض المواقع المتاحة سواء افتراضيا عبر التطبيق المتاح للجمهور أو حتى واقعيا ويتم التعريف على المواقع والمكتشفات عبر لوحات تعريفية إضافة إلى (الكيو آر كود) الذي من خلاله يستطيع الزائر فهم تفاصيل المكان والمقتنيات التي عثر عليها في ذلك الموقع.. كما يجري التنسيق مع الشركات السياحية للسماح لزيارة بعض المواقع المؤهلة للزيارة للإطلاع على الأعمال الحفرية وهذه بحد ذاتها تجربة سياحية مميزة، كما عملنا مع بعض الجهات لوضع مسارات لمحبي الرحلات الاستكشافية تمر عبر بعض المواقع لتكون سانحة للتعريف بها.
الجدير بالذكر أن وزارة التراث والسياحة تتعاون مع جامعات ومؤسسات علمية محلية وأجنبية في مجال الآثار منذ بداية السبعينات وحتى وقتنا الحالي، وقد تم الكشف عن الكثير من المواقع الأثرية الهامة والتي تعود إلى حقب زمنية مختلفة أبرزها مواقع رأس الحمراء ومواقع بات والخطم والعين وبسيا وسلوت ومواقع البليد وخور روري والصفا وقلهات. واكتشف في هذه المواقع مقتنيات أثرية هامة محلية ومستوردة من الحضارات المجاورة والتي تدل على العمق التاريخي والثقافي لهذه البلاد.
وتعد المواقع والمقتنيات الأثرية من أبرز الوجهات السياحية وتثري السياحة في سلطنة عمان من خلال المتاحف وإقامة مراكز الزوار في المنتزهات الأثرية، كما تسهم مخرجات الحفريات الأثرية في تزويد المتحف الوطني والمتاحف الأخرى التابعة للوزارة بالمقتنيات الأثرية، كما يتم المشاركة بها في المعارض والمتاحف المحلية والإقليمية والدولية. وخلال الفترة الماضية تم تأهيل وإقامة مراكز للزوار في المواقع الأثرية كمواقع أرض اللبان ومركز للزوار لمواقع بسيا وسلوت الأثرية والذي افتتح مؤخرا، وهنالك مراكز زوار قادمة لمواقع أثرية أخرى في ولاية دبا بمحافظة مسندم ومواقع بات والخطم والعين بولاية عبري ومدينة قلهات التاريخية بولاية صور.
كما يجدر ذكره أيضا أن وزارة التراث والسياحة تقوم بطباعة العديد من الإصدارات والكتب المتعلقة بالتراث الأثري ومن أهمها مجلة الدراسات العمانية التي تعنى بنشر المقالات العلمية المحكمة في مجال الآثار بالإضافة إلى إصدار سلسلة التراث الأثري وهي نتاج علماء الآثار العاملين في سلطنة عمان بالإضافة إلى إصدار سلسلة نوافذ على ماضينا والتي تضم مقالات الأعمال الميدانية للبعثات الأثرية.
