No Image
ثقافة

مرفأ قراءة... من الذي لا يحب الفلسفة؟!

02 أبريل 2022
02 أبريل 2022

- 1 -

أعادتني قراءة الكتاب الجميل الممتع «تعلم الحياة.. سأروي لك تاريخ الفلسفة» لـ«لوك فيري»، ومن ترجمة سعيد الولي، الصادر عن مشروع كلمة للترجمة بأبوظبي، إلى بداياتي الأولى في مقاربة الثقافة الفلسفية والفكر الفلسفي والتعرف على "الفلسفة" ومباحثها ومذاهبها، تاريخها وتطورها من القديم إلى الوسيط إلى الحديث، والرحلة المرهقة (لكنها ممتعة!) التي خضتها بجهدٍ فردي في تنظيم قراءاتي الفلسفية ووضع برنامج محدد للقراءة يراعي التدرج من الأيسر إلى الأصعب، ومن المدخل والتعريف إلى المستويات الأعلى من معالجة الموضوعات، سواء منها ما توفر على التاريخ أو القضايا أو المذاهب الفلسفية إلخ ما هو معروف عن هذا النشاط المعرفي الأصيل في دائرة العلوم الإنسانية.

- 2 -

وحتى لا يكون كلامي على عواهنه؛ فإنني سأضرب مثالًا لأسماء كبيرة وعظيمة في الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة تركت كتبًا تأسيسية ونصوصًا مرجعية في تيسير وشرح وتبسيط الجوانب المختلفة من الفكر الفلسفي (تاريخه، ومذاهبه، وشخصياته، وقضاياه وموضوعاته.. إلخ) ما زالت حتى اللحظة تهب قارئها معرفة وإضاءة وإحاطة عظيمة بالموضوع الذي تعالجه دون أن تقع في فخ الإلغاز أو التعقيد أو الغموض.

لدينا على سبيل المثال، نصوص المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق، وخاصة كتابه الأشهر «تمهيد في تاريخ الفلسفة الإسلامية» (وقد أفردنا له مقالًا كاملا هنا في مرفأ قراءة)، ولدينا ثلاثية المرحوم علي سامي النشار في «نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام»، وكتاب المرحوم محمد حمدي زقزوق «تمهيد للفلسفة».. ويمكن أن نضيف إلى الكتب السابقة ما كتبه المرحوم الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود عن «الفكر الفلسفي في الإسلام».

أما في الفلسفة العامة والحديثة، بصفة خاصة فلدينا نصوص رائعة كتبها المرحوم يوسف كرم (وثلاثيته الشهيرة «الفسلفة اليونانية» و«الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط»، و«الفلسفة الحديثة»

والمرحوم يحيى هويدي في كتابه الشارح الممتع «مقدمة إلى الفلسفة العامة»، وكتابه الآخر الأصغر «قصة الفلسفة الغربية»؛ وقد كان المرحوم هويدي واحدًا من أعظم أساتذة الفلسفة ومدرسيها في الجامعة المصرية في عصرها الذهبي، وكتاباه هذان يوفِّران مدخلا ممتازا وسهلا للتعرف على الإطار العام للفلسفة كرؤية ومنهج تفكير، وموضوعها والمجال الذي تبحثه، وانقسامها إلى ثلاثة مباحث رئيسية؛ "الوجود" و"المعرفة" و«الأخلاق» (الحق والخير والجمال).. "الكوزمولوجي" (مبحث الوجود)، و"الإبستمولوجي" (مبحث المعرفة)، و"الإكسمولوجي" (مبحث الأخلاق).. إلخ، فضلا على تعريفه الوافي المركز للفلسفة الحديثة واتجاهاتها ومناهجها ومدارسها.

- 3 -

على مدار سنوات كنت أستنشق رحيق الفكر الفلسفي؛ موضوعاته وقضاياه ومشكلاته، تاريخه ومذاهبه وأعلامه، وكنت أسجل بعض الهوامش والتعليقات على هذه القراءات؛ فطلب مني بعض القراء مشكورًا أن أعمِّم هذه المقترحات للخطو أو للبدء في طريق مقاربة المعرفة الفلسفية الممتعة؛ قراءة وتعرفا واكتشافا وانطلاقا إلى آفاق معرفية وعقلية نحن في أمسِّ الحاجة إليها.

وهنا مجرد مقترحات؛ ليست ملزمةً ولا تدعي أنها "روشتة" أو "قائمة محفوظة"، ولا تعني أبدًا أنها أفضل الطرق للبدء في خوض طريق الفلسفة، والقراءة في مذاهبها وتياراتها وأعلامها؛ إنها مجرد مُقترح مِن واحدٍ أحبَّ الفلسفة وتنسم عبير الفكر فيما تثيره من أسئلة وفروض وتتيحه من آفاق في التفكير، وخاض تجربة قراءة ممتعة في التعرف عليها.. مجرد خبرة ذاتية عبر السنين؛ من رأى فيها فائدةً ما فذلك أقصى ما يطمح إليه صاحب هذه السطور...

(1) الكتاب الأول اسمه «قصة الفلسفة» لوِل واريل ديورانت.. وعنوانه الفرعي (من أفلاطون إلى جون ديوي ـ حياة وآراء أعاظم رجال الفلسفة في العالم).. كتابٌ مرجع يقع في حوالي 600 صفحة، لكنه أشبه بموسوعة جامعة عن الفلسفة، يمكن العودة إليه لقراءة فصل عن موضوع، أو فصل عن فيلسوف، والتعرف على فكرة عامة وكلية عن حياته وآرائه وأفكاره وما أداه في تاريخ الفلسفة.

(2) لكني أنصح قبل مقاربة هذا الكتاب، أو البحث عنه، بكتابٍ آخر، شديد الأهمية والإمتاع ويؤدي الغرض الذي تبحث عنه تمامًا، اسمه (فلاسفة أيقظوا العالم) للدكتور مصطفى النشار (الطبعة التي لدي طبعة قديمة صادرة عن دار قباء للنشر)، هذا الكتاب لحسن الحظ صدرت منه طبعة جديدة عن هيئة قصور الثقافة منذ عامين أو ثلاثة، وأظنه متوفر في منافذ البيع.

فكرته ببساطة تقوم على استعراض أهم الموضوعات والأفكار والمذاهب من خلال استعراض سيرة الفلاسفة أنفسهم، خلاصة فكر وآراء كل فيلسوف في عدد محدود من الصفحات، لا يتجاوز عشر صفحات في المتوسط، أذكر أنه من الكتب الممتعة التي أفادتني أيما إفادة وأنا في الجامعة للتعرف على رؤية عامة ورسم خريطة كلية للفكر الفلسفي، وتطوره منذ القدم وحتى الآن.

(3) كتاب آخر رائع اسمه (مقدمة في الفلسفة العامة) للمرحوم الدكتور يحيى هويدي، واحد من أعظم أساتذة الفلسفة ومدرسيها في الجامعة المصرية، هذا الكتاب يوفر مدخلا ممتازا وسهلا للتعرف على الإطار العام للفلسفة، موضوعها والمجال الذي تبحثه، وانقسامها إلى ثلاثة مباحث رئيسية؛ "الوجود" و"المعرفة" والأخلاق (الحق والخير والجمال).. "الكوزمولوجي" (مبحث الوجود)، و"الإبستمولوجي" (مبحث المعرفة)، و"الإكسمولوجي" (مبحث الأخلاق).. ومثل هذا الكتاب في غايته ومادته، يمكن اقتراح الكتب الثلاثة التالية:

«تمهيد للفلسفة» للمرحوم الدكتور محمود حمدي زقزوق صادر عن دار المعارف، و«في عالم الفلسفة» للمرحوم الدكتور أحمد فؤاد الأهواني الذي يجمع بين دفتيه دراسات ومقالات متفرقة كان المؤلف قد نشرها في أماكن مختلفة وتوقيتات متغيرة، وصدرت طبعته الأولى في نوفمبر 1948، وهو مقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية، (في عالم الفلسفة اليونانية)، (في عالم الفلسفة الإسلامية)، (في عالم الفلسفة الحديثة)، وهو بذلك يغطي المحطات الرئيسية في تاريخ الفلسفة ككل.

الكتاب صدرت منه طبعة حديثة قبل عدة سنوات عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأعادت دار آفاق للنشر والتوزيع إصدار طبعة جديدة منه في إطار إصدارها نشرة جديدة من الأعمال الكاملة للمرحوم أحمد فؤاد الأهواني.

وأخيرًا كتاب «الفلسفة العامة ـ نظرة جديدة» للدكتور أحمد عبد الحليم عطية (صادر عن دار قباء)، وميزة هذا الكتاب أنه موجه بالأساس إلى الطلاب والدارسين والباحثين، وأيضا للمثقف والقارئ العام المهتم بقضايا الإنسان وتصورات الفلسفة العامة عنه.

(4) ضمن سلسلة مشكلات فلسفية، للمرحوم الدكتور زكريا إبراهيم، كتاب «مشكلة الفلسفة» وهذا كتاب رائع، عميق، غزير المعرفة والمعلومات، وجبة دسمة كلها "بهاريز"، بما يقدمه الرجل عن الفلسفة، ودراستها، وتطوراتها، وتحليل أهم مراحلها وتطورها على يد أعلامها الكبار منذ اليونان، وحتى التيارات والمذاهب الفلسفية الحديثة في القرون الثلاثة الأخيرة.. كتاب فعلًا لا غنى عنه لطالب الفلسفة المتفوق، وراغب التعمق فيها بجد.

أما إذا أردتَ البدءَ بكتابين فقط؛ فإنني أنصح، وبشدة، بالكتابين الآتيين:

«فلاسفة أيقظو العالم».. لمصطفى النشار، وستجد منه فيما أظن طبعات متعددة (طبعة دار قباء، طبعة مكتبة الأسرة 2016، طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة)..

والثاني كتاب «تعلم الحياة.. سأروي لك تاريخ الفلسفة».. لـ«لوك فيري»، ومن ترجمة سعيد الولي. وهذا الكتاب من أحسن المداخل إلى التعرف على الفلسفة والتفكير الفلسفي، ومناهج النظر والبحث العقلي؛ يستحق أن يكون فعلًا من الكتب الأكثر مبيعًا وترجمة في العالم كمدخل مناسب ورائع لقراءة الفلسفة والتعرف عليها، وهذا الكتاب صادر عن مشروع كلمة للترجمة أبوظبي في قطع صغير..

(وللحديث بقية...)

*إيهاب الملاح باحث مصري في مجال الأدب والتراث والثقافة