No Image
ثقافة

محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي

14 أبريل 2023
رواد الأدب العماني
14 أبريل 2023

أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن سليمان بن محمد الكندي، قاض فقيه، وناظم للشعر، عاش في القرن الخامس وأول القرن السادس الهجري؛ من بلدة سمد من أعمال نزوى. كان من المجتهدين في طلب العلم، وكان غزير العلم، واسع الاطلاع، دقيق النظـر والفهم، نبغ في جملة من العلوم، ونظم الشعر. قضى حياته بين التأليف والفتوى والقضاء، حريصا على استغلال أوقاته والتفاني في حفظ العلم وتدوينه، حتى أصبح مرجع المسلمين وإمامهم في وقته، وصفه أبو بكر أحمد بن محمد المعلم أنه قدوة زمانه وعصره ومصره، وقد كان واسع الاطلاع على ما دوّنه العلماء والفقهاء من قبله؛ سواء من علماء المذهب الإباضي أو من غيره، وتشهد بذلك مؤلفاته.

وكان ممن يذهب مذهب النزوانيين الواقفين عن أحداث أهل عمان، وكان يقول: ليس قصدي ولا اعتمادي مخالفة قائل ولا الطعن عليه ولا هتك ستر، ولا كشف عورة، لكن أخبر بما عرفت من الأخبار، ورافع ما وجدت في الآثار؛ ليقف عليه من أراد النظر فيه.

تتلمذ على يديه الشيخ أحمد بن محمد بن صالح صاحب المصنف، ومن آثاره: كتاب بيان الشرع الجامع للأصل والفرع وهو من الكتب الموسوعية في التراث العماني، إذ يزيد عن نيف وسبعين جزءا، ويعود إلى القرن الخامس الهجري، وله كتاب اللمعة المرضية في أصول الشرع وفروعه، ونظم القصيدة العبيرية في وصف الجنة، ومطلعها:

لك الحمد جز لي بالذي أنا قائل

شهيد على نفسي وأنت مجيرها

وتسوي لها القسم الجزيل من الرضا

فأنت لها من كل سوء خفيرها

وتؤتي لها في دار قدسك معقلا

فعندك حق للنفوس أجورها

فإني لم أطلب سواك مسامرا

وأنت لها من كل حب سميرها

ولم أجتلب إلا إليك محببا

إلى خلقك الدار الأجل خفيرها

ألا فاسمعوا وصف الجنان ونعتها

منازل للأبرار فيها سرورها

أذابوا لهم أكبادهم وقلوبهم

معلقة فيها وفيها مصيرها

قلوب جلاها الخوف والشوق والرجا

فأشرق في سبع السموات نورها

رجال شروا لله عقد ضميرهم

ولم يختلبهم للحياة غرورها

رجوه فأعطوه الصفاوة والرضا

ولم يخف من نفس عليه ضميرها

فقال هلموا يا أحباي أنتم

من القلب عندي قلبها وصدورها

لكم دار عليين عندي مواهب

عقائل في الفردوس جم غفيرها

وقد شرحها جملة من العلماء منهم: الشيخ اطفيش القطب، بطلب من السيد فيصل بن حمود آل عزان وغيره، وله الأرجوزة المسماة النعمة في الأديان والأحكام، وهي أرجوزة طويلة في أصول الشريعة وفروعها، وقد ختمها بخاتمة في المواعظ والنصائح، وتقع الأرجوزة في أربعين بابا، وعدد أبياتها 2028 بيتا تقريبا، وهي من أوائل ما نظم عند الإباضية في أصول الشريعة وفروعها.

توفي عشية الثلاثاء 10 رمضان 508هــ/ 7 فبراير 1115م، وقيل: ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. ومن العبيرية نختار النص الآتي:

وفي روضة الرضوان طابت مراتعي

وحسبي منها زهرها وغديرها

بجنة عدن كالسموات عرضها

وفردوس منها تاجها وسريرها

تحف بها تلك الجنان كأنها

كواكب قد حفت ببدر ينيرها

جنادلها من لؤلؤ وزبرجد

ومسك وكافور هناك مشورها

من الزعفران الرطب والمسك أنشئت

على قدر من رحمة الله حورها

خرائد يطفين الشموس لوامع

عقائل أبكار حوتها خدورها

إذا ابتسمت حوراء في صحن قصرها

تضاحكها أشجارها وطيورها

ولو أسفرت عن وجهها ولثامها

أضاء جنان الخلد منها سفورها

ولو تفلت في لجة البحر تفلة

لطيبت البحر الأجاج ثغورها

ولو أرسلت دون السماء ذؤابة

لطيب بين الخافقين عطورها

ولو لمست في ظلمة القبر ميتا

لعاش ولم يردد عليه حفيرها

ولو برزت في ليلة مدلهمة

لأشرق منها في الحنادس نورها

ولو نهضت للمشي تحمل ذيلها

وصائف أمثال الشموس نحورها

ويحملن عطرا ليس كالعطر عنده

منابر ريحان لها وكفورها

سلالة كافور تضوع نشرها

وتاه عليها دلها وخفورها

على نحرها فوق البياض بصفرة

كتائب عقيان تلوح سطورها

تقول أنا للقائم الليل راكعا

وللصائم الحامي عليه هجيرها

أنا للذي أرضى الإله بطاعة

ولم يختدعه للغرور غرورها

ألا تلك دار مهرها ترك هذه

وأبكار غيد والنفوس مهورها

فإن كنت ذا عزم فعد عن الهوى

وباشر بها حتى يلين وعورها

فما النفس إلا كالرضيع لأمه

فإن فطمت ذلت وذل نفورها

فوطن بها سبل الرشاد برأفة

فما لك نفس غيرها تستخيرها

فالنص الذي بين أيدنا من قصيدة طويلة في وصف الجنة، وهنا يصف بعض مظاهرها ويركز على الحور، فيبدأ بذكر بعض مظاهر طبيعة الجنة، فهي جميلة الزهر والغدير، واسعة، تحف بها الجنان، وتربتها وحصاها اللؤلؤ والزبرجد والمسك والكافور. وهذا يدفعه إلى ذكر بعض ما فيها ومنها الحور، التي هي مخلوقة من الزعفران والمسك، وهي أجمل بهاء من الشمس، تتجاوب الطبيعة مع بسمتها، ووجهها يضيئ الجنان، وريقها طيب مطيب، وعطرها يملأ الجو، ولمستها تحيي الميت، ووجهها مضيء، ووصائفها في غاية الجمال، عطرهن أجمل العطور من الكافور، وفي صدرها العقيق. ولكن كيف تنال هذه؟ مهرها قيام الليل وصيام النهار، وطاعة الله والسعي لمرضاته، وعدم الانشغال بالدنيا، والعزيمة وتربية النفس وعدم طاعتها.

ونلاحظ جمال مطلع النص رغم أنه تعليمي، كما يلمس المتلقي جمال التصوير، ولغة الشاعر واضحة تعبيرا وتصويرا. أما الموسيقى الداخلية للنص نابعة من قوة اللغة وهي تتعاضد مع الموسيقى الخارجية النابعة من وحدة القافية، ولا تظهر في مدخل النص ذاتية الشاعر كعادة الشعر التعليمي.