No Image
ثقافة

غوص في تاريخ شفهي .. كلايف هولز وخرائط الكلام العماني

31 مايو 2025
31 مايو 2025

ظننت فـي البدء أن كل من يحمل اسم «كلايف» له الوجه ذاته، فالبروفسور كلايف هولز يشبه المصور الفوتوغرافـي كلايف جريسي الذي التقيته فـي حوار سابق - إلى حد كبير جدًا. لمحته فـي أحد أروقة معرض الكتاب فتبعته حتى خُيّل لي أن الزحام سيبتلعه ويفوتني، لكن متى ما انقشع الزحام تبين لي أن من تبعته كان ديمتري ستريشنيف، فقال لي بالعربية: «هذا ليس أنا!»، أعدت النظر إلى صورة هولز فـي الهاتف وإلى ستريشنيف، ولا أزال أظن أنهما الشخص ذاته.

عندما التقيت البروفسور كلايف هولز فـيما بعد، لم أعرف كيف أبدأ... بالعربية أم بالإنجليزية؟! لكنه بادرني بلهجة عمانية واضحة: «كيف حالش؟»

ابتسمتُ، وقلت فـي نفسي: هذا رجل عاش اللغة كما ينبغي، لا من جهة القواعد، بل من قلب لهجاتها وناسها. فـي هذا الحوار، يحكي هولز عن رحلته الطويلة مع اللهجات العُمانية، كيف سمعها، وسجّلها، وكتب عنها، وعن مخاوفه من ضياعها، ودهشته من الحرص العماني على كل ما هو تقليدي وموروث، كما يفتح نافذة على حكايات اللسان العماني المتجذّر، والمتغير فـي آن معًا.

Image

الفضول أتى بك إلى عُمان، وكذلك شتاء الكويت القارس.

أطلق ضحكة صاخبة، وقال: نعم، منذ وقت طويل، «كشتة قصيرة»، وتابع: كان لدي صديق يعمل فـي وزارة التربية والتعليم، كمدرب لمدرّسي اللغة الأجنبية، وكنت قد تعرفت عليه فـي البحرين قبل سنتين من زيارتي لعُمان، سكنّا معًا فـي شقة فـي البحرين لسنتين، حيث كان يعمل فـي مدرسة ثانوية آنذاك، فدعاني لزيارته عندما انتقل إلى عُمان لمدة أسبوع، وكانت أول زيارة لي إليها.

**********************************************************************************************

ثم تحولت الزيارة الأولى إلى شيء أكثر إثارة للاهتمام، فما الذي وجدته مختلفًا عن تجاربك فـي البحرين والكويت؟

كان ذلك في السنوات الأولى من تولّي السلطان الراحل قابوس بن سعيد مقاليد الحكم فـي البلاد، ولم تكن هناك مدارس مثلًا، ولا جامعة، ومقارنة بالبحرين والكويت وباقي دول الخليج، كان التطور فـي عُمان لم يبدأ بعد.

ولكن هذا تغيّر على مدى الزمان؛ فعندما رجعت بعد عشر سنوات -فـي الثمانينيات- كانت الصورة مختلفة تمامًا، وكان هناك مشروع إقامة جامعة -التي عملتُ كمستشار لمنهج تدريس اللغة الإنجليزية فـيها- ومشروعات فـي مجالات متنوعة ومن كل نوع. فـي ذلك الوقت، كل شيء تطور بسرعة هائلة، وأستطيع القول إنها لحقت بالدول التي سبقتها، بل وتجاوزتها.

**********************************************************************************************

كنت تتجوّل بسيارة نيسان بترول وتجمع التسجيلات، هل شعرت يومًا بأنك تغوص فـي تاريخ المنطقة، عبر الكلمات والنطق؟

حسنًا، فـي الثمانينيات، شاركتُ فـي عُمان مع فريق طبي كان يزور القرى لإجراء الفحوصات، حيث عملتُ مترجمًا وسجّلتُ أحاديث القرويين، لا بصفتي طبيبًا بل لغويًا مهتمًا باللهجات، أتذكّر إحدى النساء تقول: «فاحصتنّي، وازنتنّي، شايفتنّي»، وهي تصف الإجراءات الطبية التي يقوم بها الأطباء.

بالإضافة إلى ذلك، طلبتُ من طلابي فـي جامعة السلطان قابوس تسجيل أحاديث جدّاتهم وعمّاتهم وأقربائهم، وبعد إجازة نهاية الأسبوع كانوا يُحضِرون لي أشرطة من مختلف المناطق التي ينتمون إليها، وهذا ما وفّر لي مادة غنية ومتنوّعة.

وفـي السنوات الأخيرة، بدأت أستخدم «يوتيوب» كمصدر إضافـي، خاصة من خلال برامج تلفزيون سلطنة عُمان، مثل «سوالف شيابنا» الذي يُقدّمه أحمد بن هلال العبري من ولاية الحمراء، وهذا البرنامج كان كنزًا من القصص والمقابلات باللهجة العُمانية الأصيلة، واستفدتُ منه كثيرًا، خاصة أنني بدأت رحلتي فـي توثيق اللهجات قبل أكثر من أربعين عامًا، متنقلًا أسبوعيًا بين صحار وصور وقلهات وغيرها من المناطق، لاكتشاف الفروق اللغوية.

فـي صور مثلًا، التقيتُ برجل فـي المستشفى الرئيسي تحدّث عن ابنه قائلًا: «بالنّي بليه»، أي «يوجع لي رأسي»، أما فـي قلهات، فاللهجة حضرية أكثر، بينما لهجة صور تميل إلى البداوة، ما يعكس تنوّعًا لافتًا.

لقد اعتمدتُ فـي جمع موادي على الزيارات الميدانية والتسجيلات التلفزيونية، واستمعْتُ إلى شهادات لأشخاص بلغوا السبعين والثمانين، بل ومَن قال إن عمره 110 سنوات، يتحدّثون عن حياتهم فـي زنجبار والسعودية والبحرين، وعن ظروف المعيشة الصعبة فـي الماضي، حين لم يكن هناك عمل «عمل ماشي»، وكان جواز السفر يُمنح لسفرة واحدة فقط «جواز بو سفرةٍ واحدة»، تخرج ثم تعود وينتهي مفعوله. كل ذلك زوّدني بثروة لغوية وثقافـية، كما أنني أعمل حاليًا على توثيقها فـي «قاموس للغة العربية العُمانية»، وقد وصلتُ إلى 650 صفحة مليئة بالأمثلة والجمل المأخوذة من هذه المقابلات.

**********************************************************************************************

لفتني حديثك عن أوجه الشبه بين لهجات العُمانيين ولهجة البحارنة فـي البحرين، ما العوامل اللغوية التي قد تُفسر هذا التطابق؟

سأطرح عليك نظريتي حول التشابه اللافت بين لهجات العُمانيين ولهجة البحارنة فـي البحرين، انطلاقًا من تجربة شخصية بدأت عند زيارتي الأولى لعُمان، وتحديدًا فـي «مسفاة العبريين»، حيث لاحظت تقاطعًا كبيرًا بين ما سمعته هناك وما سجلته خلال دراستي للدكتوراه فـي البحرين، خصوصًا لهجات المزارعين الذين يستخدمون مفردات زراعية تقليدية مثل «تحدير»؛ هذه المفردات واللهجات المنتشرة فـي قرى البحرين تُشبه بشكل ملحوظ ما يُتداول فـي مناطق الداخل العُماني، ما يشير إلى امتداد لغوي وثقافـي مشترك، لا يُفسَّر من منظور مذهبي، بل تاريخي.

وقد دعمت هذه الفكرة أيضًا بقراءة ما كتبه المستشرق السويدي «لاندبيرج» الذي زار حضرموت وجنوب اليمن قبل 120 عامًا، ودوّن ملاحظاته حول لهجات تحتوي على الخصائص الصوتية نفسها التي لا تزال تُستخدم حتى اليوم، وهي أمور لا تظهر فـي عموم الجزيرة العربية إلا فـي المنطقة الشرقية من السعودية، التي تشترك مجتمعيًا ولغويًا مع البحرين، وعند النظر إلى الخريطة اللغوية من اليمن إلى عُمان، والبحرين، وحتى بعض مناطق الإمارات مثل رأس الخيمة، نجد تشابهات ملفتة، ووجودًا لمجتمعات تُعرف بـ«البحارنة»، ما يعزز الفرضية القائلة إن هذه السمات فـي اللهجة تعود إلى هجرات قديمة من جنوب الجزيرة، ربما بعد انهيار سد مأرب، حيث انتقل كثير من الناس شرقًا حاملين معهم أنماطًا لغوية استمرت حتى اليوم.

فـي البحرين مثلًا، حدّثني مرشد زراعي عن أصولهم قائلًا: «نحن يمنيون، منذ ما قبل الإسلام»، وهو ما يتقاطع مع ما نجده فـي عُمان وجزء من الإمارات، لذلك أرى أن هذه التشابهات اللغوية انعكاس لهجرات وتاريخ طويل مشترك، تشكّلت من خلاله «خريطة اللهجات» التي نراها اليوم، وإن لم تكن هذه النظرية صحيحة، فعلى من يخالفها أن يُفسر لنا: من أين أتى هذا القدر الكبير من التشابه؟

**********************************************************************************************

ذكرت أن اللهجة العُمانية تحمل سمات لغوية نادرة توجد أيضًا فـي العربية الأوزبكية والخراسانية، هل ترى أن هذه الظاهرة تدعم فكرة وجود «شبكة عربية مبكرة» عبر آسيا وإفريقيا؟

من الناحية التاريخية، يجب أن ننظر إلى الزمن، إلى حركة الناس وتنقّلهم، الناس كانوا يذهبون إلى إفريقيا، كما تعلمين، إسبانيا فُتحت فـي القرن الثامن تقريبًا، ثم على مدى قرون طويلة كانت هناك هجرات، وانتقال الناس من الجزيرة العربية إلى مناطق أخرى، مثل آسيا الوسطى، هذا حدث فـي القرن الثامن، أي بعد قرنين من وفاة النبي.

لقد زرتُ بخارى، وهناك أناس يتحدثون بطريقة تُشبه حديث العُمانيين، كما تعلمين، وهذه الأمور تنتقل بالمبدأ نفسه الذي ذكرته سابقًا، وتبدأ الرحلة من اليمن إلى عُمان، ثم إلى البحرين، ثم تأتي المرحلة التالية -بعد قرون طويلة- من شرق الجزيرة العربية إلى آسيا الوسطى وإفريقيا.

هذه الأشكال من اللغة انتقلت مع الناس، ولا تزال موجودة حتى اليوم، هذا هو التفسير، إذن، الأمر يُشبه شبكة.

**********************************************************************************************

من خلال دراستك للهجة العُمانية، بدا أن هناك استمرارية لعناصر من العربية الفصحى، مثل التنوين، ولكن بطريقة مختلفة، فـي رأيك، هل تحافظ اللهجات العُمانية على «ذاكرة لغوية» من العربية المبكرة/الكلاسيكية أكثر من غيرها من اللهجات العربية الحديثة؟

أنا لستُ مع أن اللهجات كلها جاءت من العربية الفصحى، نحن لا نعرف الكثير عن تاريخ العربية قبل ظهور اللغويين فـي العراق، الذين كتبوا قواعد العربية الفصحى فـي القرن الثامن الميلادي، العربية أقدم بكثير من ذلك.

أحمد الجلاد عمل على دراسة أقدم أشكال العربية، تلك التي كُتبت على صخور فـي صحراء سوريا، نحن نتحدث هنا عن مئات ومئات من السنين الماضية، المادة التي عمل عليها تعود إلى خمس مائة سنة قبل القرآن، لكنها مكتوبة بالعربية؛ لذا، فالعربية قديمة جدًا، لم تبدأ مع القرآن، لكن رأيي أن العربية الفصحى كانت شكلًا راقيًا من العربية، تُستخدم لأغراض خاصة مثل الشعر والقرآن، لكنها لم تكن هي اللغة التي يتحدث بها الناس فـي حياتهم اليومية.

أنا أعتقد أن النبي كان يتحدث كما يتحدث أهل مكة آنذاك، ونحن نعلم من اللغويين أن هناك لهجات متعددة: كانت هناك تميم، وأسد، وكانوا يقولون: «تميم تقول كذا، وأسد تقول كذا»، لكنهم لم يعطونا أمثلة دقيقة، لذا لا نعرف بالضبط كيف كانوا يتحدثون. لكننا نعلم أن اللهجات قديمة جدًا. وبرأيي أن كثيرًا من هذه الخصائص الموجودة اليوم هي امتداد لما كان موجودًا من قبل، وبعضها يُشبه الفصحى، لكن هذا لا يعني أنها جاءت من الفصحى.

سأعطيك مثالًا: فـي العربية الفصحى لدينا الفعل (لستَ، لستُ، لستِ)، فـي العربية العُمانية والبحرينية، لديهم كلمات مثل «ليس»، وهذه الألفاظ تظهر فقط فـي كلمات محددة. وهذا مرتبط بـ«ليس»، بلا شك، لكنه لا يعني أنه جاء من «ليس» الفصحى، بل يعني أن الفصحى واللهجات كانتا تشتركان فـي أصل واحد، لكننا لا نعرفه بدقة لأنه قديم جدًا.

هذا هو تصوّري، كل شيء له مصدر، لكن المشكلة هي أنه كلما عدنا إلى الماضي البعيد، لا توجد سجلات، الناس عاشوا آلاف السنين دون أن يكتبوا شيئًا، كانوا فقط يتحدثون.

**********************************************************************************************

أشرتَ إلى أن بعض خصائص اللهجات العُمانية تميل إلى الظهور أكثر فـي الشعر الشفوي والألغاز، هل ترى أن هذه الأنماط الأدبية الشعبية كانت بمثابة «خزانات حافظة» للهجات التقليدية؟ وما مدى أهميتها فـي دراسة تاريخ اللغة؟

نعم، نوعًا ما، هذا الأمر مُحافظ عليه بشكل أكبر فـي أشياء مثل الشعر، فـي الشعر، هناك أوزان وقوافٍ، ويجب أن يكون منتظمًا، ولهذا السبب يكون وجود هذه الصيغ مفـيدًا، لكنه ليس إلزاميًا، بل هو اختياري جدًا.

يمكنك استخدامه إذا احتجت إليه، مثلًا، يمكن أن نقول: «بنت زينة» أو «بنتٍ زينة» إذا كنا بحاجة إلى مقطع إضافـي، لذا، فهو مفـيد بهذه الطريقة، وأعتقد أن هذا أحد الأسباب التي تجعل مثل هذه التراكيب شائعة فـي الشعر، لأنها عملية.

أما فـي الكلام العادي، فهي تُستخدم أحيانًا، لم أتحدث عن هذا سابقًا، لكن خذي مثلًا عبارة «كلٍ بمقدرتَه»، أي: «كل واحد حسب قدرته»؛ مثل المال، إذا أردتِ أن تعطي أحدًا مالًا، فالأمر يعتمد على ما لديك، إذا كان معك الكثير، تعطي الكثير، وإذا كان القليل، تعطي القليل، لكنك تفعل ذلك حسب ما تملك، فعبارات مثل هذه نسمعها كثيرًا، كذلك «ناسٍ» تُستخدم كثيرًا مع كلمة «ناس»، يوجد عدد محدود من الاستخدامات الممكنة، لا يمكنك استخدامها طوال الوقت، معظمها يكون اسم صفة، لكن أيضًا فـي كلمات عامة مثل «كل» و«ناس» و«كلٍ» و«ناسٍ»، بعض الناس يفعلون هذا، وبعض الناس يفعلون ذاك، نسمع هذا فـي الكلام اليومي كثيرًا.

**********************************************************************************************

بالنظر إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الهائلة فـي عُمان خلال العقود الأخيرة، هل ترى أن هذه السمات النادرة فـي اللهجات العُمانية مهددة بالاندثار؟ أم أن هناك أملًا فـي بقائها؟

أعتقد أن ارتفاع مستوى التعليم فـي عُمان جعل الناس يُدركون أن طريقتهم فـي الكلام مختلفة، والبعض يرى أن تحسين الحياة يمرّ بتغيير طريقة الحديث، وأسلوب اللباس، بل ونمط الحياة بالكامل، نحن لا نفكر اليوم كما كنا قبل خمسين سنة، أو حتى قبل عشرين، أتذكر أنه قبل حوالي عشر سنوات، كنت أتابع الصحف العُمانية على الإنترنت، وقرأت رسائل من قراء يشتكون من لهجات بعض المذيعين، خصوصًا النساء، لأنهم كانوا يتحدثون وكأنهم من الخليج، لا من عُمان، وفعلًا، لاحظت هذا بنفسي، عندما شاهدت مقابلة مع امرأة من الخوض تتحدث بلهجة عُمانية صريحة، تقول مثلًا: «ما يسويوا ربشة»، لكن المذيعة التي تحاورها بدت لي وكأنها من الكويت أو الإمارات، رغم أن اللقاء جرى فـي قلب العاصمة، قرب الجامعة التي كنت أعمل فـيها.

**********************************************************************************************

كثير من العُمانيين وقتها كانوا يتساءلون: ما الذي يحدث؟

هذه لغتنا وطريقتنا فـي الكلام، فلماذا يتحدث الآخرون بطريقة مختلفة؟ لا أعلم إن كان هذا ما زال يحدث الآن، لكنني أظن أن التأثير الخليجي، خصوصًا من خلال مجلس التعاون، أدى دورًا واضحًا، وصار هناك ميل لأن تكون اللغة أقرب إلى السعودية، خاصة بين الشباب.

هذا أمر طبيعي فـي رأيي، ويحدث فـي كل مكان، حتى فـي إنجلترا، والتغيير جزء من الحياة، وعادة ما يشتكي كبار السن منه، لا أقول إنه جيد أو سيئ، لكني أراه نتيجة طبيعية للاحتكاك بثقافات ولهجات أخرى.

**********************************************************************************************

عملت على اللهجات العربية فـي بيئات متعددة: البحرين، الكويت، العراق، الجزائر، وعُمان، كيف ترى عُمان مقارنة بهذه الدول من حيث الثراء اللغوي والتنوع الداخلي للهجاتها؟

أستطيع أن أقول إن عُمان، حتى هذه اللحظة، لا تزال تحتفظ بالكثير من ملامحها الأصيلة، أكثر من غيرها. وذلك ببساطة لأن عُمان بلد كبير، وبدأت التغيّرات فـيها مؤخرًا، لذلك أظن أن ما تم الحفاظ عليه فـي عُمان أكثر مما هو محفوظ فـي بلدان أخرى. لكن هذا لن يدوم طويلًا.

أنا لا أزور عُمان كثيرًا، زيارتي الأخيرة كانت فـي عام 2012، والتي قبلها كانت فـي 2007، وكل مرة أعود فـيها ألاحظ أن الفارق أصبح كبيرًا، كل شيء يتغير بوتيرة أسرع: مزيد من المباني، مزيد من الطرق، مزيد من المستشفـيات، والمدارس... وهذا كله أمر جيد، بالطبع، لكنه يسبب أيضًا تغيّرات عميقة، عُمان لا تزال -فـي الوقت الحالي- تحافظ على كثير من موروثها، لكنها تتغير، حتى العُمانيون أنفسهم صاروا يلاحظون ذلك أن الأمور تتغير فجأة، وأن الأمور بدأت تصبح أقل «عُمانية» وأكثر «خليجية»، كأن الخليج أصبح منطقة واحدة لغويًا وثقافـيًا.

**********************************************************************************************

أخيرًا، ما الذي علمتك إياه اللهجات العُمانية عن الإنسان العربي وهويته العميقة؟

هذا سؤال صعب... ما أعتقده هو أن اللغات أدوات، أو وسائل نقل، فهي تحمل فـي طياتها معلومات عن الشعوب التي تتحدث بها. ولذلك، ما يمكنني قوله هو إن اللغة العربية العُمانية -أو اللهجة العُمانية- تجسّد حياة العُمانيين، والطريقة التي يعيشون بها. ما يثير اهتمامي هنا هو وجود عناصر كثيرة من التراث لا تزال حية فـي عُمان، رغم أنها اندثرت فـي أماكن أخرى. أعلم أن هذا لا يجيب على سؤالك بشكل مباشر، لكنني لا أظن أن هناك شيئًا مختلفًا بشكل جوهري، لكن الثقافة التي لا تزال محفوظة فـي اللغة حتى يومنا هذا. وهذا بالضبط ما يثير اهتمامي بشأن عُمان: الكثير من الأمور القديمة لا تزال قائمة حتى الآن.