صدور «الدُّرَر البهية في الرحلة الأوروبية» بتحقيق عامر أبو محارب
بيروت «العُمانية»: صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بالتعاون مع دار السويديّ للنشر والتوزيع كتاب «الدُّرر البهية في الرحلة الأوروبية (1889)» لمحمود أفندي عمر الباجوريّ، بتحقيق الأكاديمي عامر أبو محارب.
وكان الكتاب قد حصل على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة/ فرع تحقيق المخطوطات لعام 2023، في إطار مشروع «ارتياد الآفاق» الذي أطلقه المركز العربي للأدب الجغرافي من أبو ظبي ولندن.
وأوضح أبو محارب في مقدمته أنّ اهتمامه بأدب الرحلة انبثق من «قدرة السّرديّات الرحلية على أن تقيم أودها على مبدأ يزاوج بين لذة المعرفة ولذة السرد كما يقول رولان بارت».
وأكّد على أن هذه الرحلة تمثل أرشيفًا ثقافيًّا لا يبوح بمضمراته إلا في إطار قراءة فاحصة يمكن أن تتيحها ممكنات مناهج حداثية، مثل حلقة «دراسات التابع» التي نشأت من عدد من مثقفي العالم الثالث. وبيّن أن المناهج والأدوات النقدية المعاصرة ساعدته على الخلوص إلى أن الباجوريّ يُجسِّدُ في رحلته منظور «التّابع» كما طرحته المنظّرة الهندية «جاياتري سبيفاك»؛ ذلك أن الرحّالة يغدو علامة سيميائية على الشرق/ المشرقي المأخوذ بالآخر الغربي.
وأشار أبو محارب إلى أن الباجوريّ قام في هذه الرحلة بتأسيس رؤية ثقافيّة تجاه الآخر، وهي رؤية لا تتضح ملامحها إلا بفعل الحفر التاريخاني والثقافيّ؛ فالباجوري، كما بدا في رحلته، يعلن براءته من الزمن العربيّ الشرقيّ المتأخر في تلك اللحظة التاريخيّة؛ وهذا التبرؤ يعلن ولادة زمن جديد تنتصر فيه ثقافة المعرفة والعلم.
ووضّح أبو محارب أنّ الباجوريّ أُوفِد بهذه الرحلة من طَرَف الحكومة المصريّة إلى بلاد السُّويد والنّرويج لحضور المؤتمر العلميّ المشرقيّ الثّامن الذي أقيم عام 1889م، وقد رافقه في هذه الرّحلة وفدٌ من وزراء مصر وعلمائها، من بينهم: عبد الله باشا فكري، وأمين بك فكري، والشيخ حمزة فتح الله.
وتنمازُ رحلة الباجوريّ، كما ألمح أبو محارب، في أنّ صاحبها أنجز خلالها خطابًا يراوح بين الكتابة الرّحلية/ التسجيليّة والكتابة الإبداعيّة، وهي كتابة تضع هذه الرّحلة في مكانة متقدمة في سياق الخطاب الرّحليّ الذي قدمه الرّحالة العرب عن الآخر الغربيّ، إذ إنها تمثّل إحدى أبرز الرّحلات التي قام بها المشارقة إلى البلاد الأوروبيّة في الغرب، في القرن التاسع عشر، وذلك من مثل؛ رحلة رفاعة رافع الطّهطاويّ (تخليص الإبريز في تلخيص باريز، 1831م)، ورحلة ديمتري بن نِعمة الله خلّاط الطّرابلسيّ (سِفْر السَّفَر إلى معرض الحضَر، 1889م)، ورحلة محمد أمين فكري (إرشاد الألبّا إلى محاسن أوروبا، 1889م)، ورحلة أحمد زكي باشا (السَّفر إلى المؤتمر، 1889م).
وتأسيسًا على هذا التّصور أوضح أبو محارب أنّ هذه الرحلة تنطوي على رؤى ومواقف فكرية محجوبة خلف ستار السّرديّ والرّحليّ وتشكلاته اللغوية والنّصيّة، كما تكشفُ عن وجهٍ من أوجه الحركة الثقافية في مصر أثناء عصر النهضة، ومن هنا يكتسب أمرُ تحقيقها وإعادة قراءتها من منظور معاصر أهمّيّة كبيرة، لأنها بقيت مخطوطة ولم تنل حقّها من التحقيق والدّراسة والمساءلة المنهجيّة. وتظهر في ثنايا الخطاب السّرديّ الذي أنجزه الباجوريّ، كما بيّن أبو محارب، ذات مفتونة بمنجز الآخر، ولكنه افتنان يعكس هواجس الذات، التي تبتغي أن تلحق حضارتها بركاب الحضارات الإنسانيّة المتقدمة على مختلف الصعد الإنسانيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، ويتبدّى ذلك في المقارنات التي يعقدها الباجوريّ بين حضارته/ ممثلة بمصر، وحضارة الآخر ممثلة بالمدن الأوروبيّة التي مر بها خلال رحلته.
وتعكس هذه المقارنات هجسَ الأنا بقيمتها الحضاريّة وموقعها الحضاري بالنسبة إلى الأمم الأخرى، خاصة في باب الصناعات والتقدم العلميّ، إذ تبدو رحلة الباجوريّ ذات أثر عميق في نفسه من خلال تأثره بعادات الشعوب الغربية التي رآها وتمنّيه لو أنّ البلاد العربية تصل في رقيِّها الحضاريّ ومستواها العلميّ إلى ما وصلت إليه الحضارة الغربية.
وتضمن غلاف الكتاب كلمة للجنة جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة جاء فيها: «لا ينطبق على رحلة عربيّة من وصف دهشة المسافر الشرقي بالعالم الغربي كما ينطبق على صاحب هذه الرحلة وهو مثقف باحث عن الجديد، فكل ما تراه عينه من أوجه التطور والاختلاف في المدنية الحديثة يجد صداه في صفحات يومياته، وهو في ركاب رحلة لقاء مع الاستشراق وبحث عن سبل نقل المعارف والعلوم والآداب الغربية إلى الثقافة العربية».
